شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة

شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة
شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة

شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة، هو ما سنقدمه لكم في هذا المقال حيث تعد هذه القصيدة من التراث العربي ومن أصدق القصائد التي تصور الحالة النفسية للإنسان الذي يفقد شخصاً عزيزاً عليه، فقد كتبها الشاعر المخضرم أبو ذؤيب الهذلي بعد فقده لأولاده الخمسة نتيجة الطاعون، وفي هذا المقال سنتعرف على الشاعر أبو ذؤيب الهذلي وسندرج لكم شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة ونستخرج بعض الصور الأدبية والفنية منها ونشرح المفردات الصعبة فيها.

من هو أبو ذؤيب الهذلي

إن الشاعر الذي اشتهر بقصيدته التي يرثي بها أبناءه الخمسة هو الشاعر أبو ذؤيب الهذلي، وهو خويلد بن خالد بن محرث أبو ذؤيب من بني هذيل بن مدركة من مضر، من فحول الشعراء ومن المخضرمين الذي عاشوا في الفترة بين الجاهلية والإسلام، دخل أبو ذؤيب الهذلي في الإسلام وسكن في المدينة المنورة، وشهد الكثير من الغزوات والفتوحات، منها خروجه في جند عبدالله بن سعد بن ابي سرح الى افريقية سنه 26 هـ حيث شهد فتح إفريقيا، ولما عاد برفقة عبد الله بن الزبير إلى عثمان رضي الله عنه لينقلوا له خبر الفتح، وافته المنية على الطريق، وقيل أنه مات في إفريقيا، وقد وفق على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفاته ، فأدركه وهو مسجى وشهد دفنه، قال عنه البغدادي ” هو أشعر هذيل من غير مدافعة”، وأبرز ما اشتهر من شعره قصيدته العينية التي يرثي بها أولاده الخمسة الذين أصابهم الطاعون في عام واحد، يقول في مطلعها ” أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ ” وهي التي سنسلط الضوء عليه في مقالنا.

 شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة

إن القصيدة التي اشتهر بها الشاعر المخضرم أبو ذؤيب الهذلي والتي سارت على ألسن الناس وارتبط اسمها بالشاعر هي قصيدة الرثاء التي كتبها الشاعر يرثي بها خمسةً من أولاده أصابهم الطاعون في عام واحد فأهلكهم، فما كان من الشاعر إلا أن نظم هذه القصيدة التي ارتبط اسمها بشعر الرثاء، فتكاد لا تذكر كلمة الرثاء إلا وتتذكر أبيات هذه القصيدة، وفي السطور الآتية سنشرح لكم ما تيسر لنا من أبيات هذه القصيدة:

  • أَمِـنَ الـمَنونِ وَريـبِها تَتَوَجَّعُ ****** وَالـدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ

يسائل الشاعر نفسه أو يتحدث على لسان زوجته أميمة التي تسأله: هل تتوجع من تلك الحادثة التي سلبت منك أبناءك فعليك إذاً أن تتحلى بالصبر لأن شدة الحزن ستهلكك إذا لم تصبر وتجزع على مصيبتك والجَزَع هو: حُزْن يَصْرِف الإنسان عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه.

  • قـالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباً ****** مُـنذُ اِبـتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ

وفي هذا البيت تسأل زوجة الشاعر أميمة وتقول: انظر لجسدك الذي أصبح شاحباً هزيلاً من شدة الحزن والألم منذ ذلك اليوم الذي أعلنت فيه الحزن وامتهنت اليأس والأسى، فما سر كل ذلك الشحوب هل هو من أثر تلك الفاجعة.

  • أَم مـا لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاً ****** إلا أَقَـضَّ عَـلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ

ثم انظر إلى جنبك الذي لا يكاد يلمس الفراش وإذا أردت أن تنام فإنك لا تستطيع التلاؤم معه ولا تستطيع المكوث فيه، وما إن يلامس جنبك الفراش فإنك تتألم ولا تستطيع الصبر على ذلك.

  • فَـأَجَبتُها أَن مـا لِـجِسمِيَ أَنَّهُ ****** َأودى بَـنِيَّ مِـنَ البِلادِ فَوَدَّعوا

فأجبت زوجتي أميمة أن الذي أوصلني إلى ما أنا فيه والذي سبب لجسدي ذلك المرض والتعب هو تلك الفاجعة التي أصابت أبنائي وسلبتهم مني وأخرجتهم من هذه الحياة.

  • أَودى بَـنِيَّ وَأَعـقَبوني غُـصَّةً ****** بَـعدَ الـرُقادِ وَعَـبرَةً لا تُقلِعُ

فقد كانت هذه الفاجعة في ذهاب أبنائي من هذه الحياة هي التي سببت لي تلك الغصة في صدري وخلفت تلك العبرة في صدري التي لم تفارقني أبداً.

  • وَلَـقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ ****** فَـإِذا الـمَنِيِّةُ أَقـبَلَت لا تُدفَعُ

ولقد كنت شديد الحرص على أبنائي وعلى استعداد دائم للدفاع عنهم وحمايتهم والتضحية من أجلهم بكل ما أملك، ولكن حكم الله في المنية والموت لا يرد، ولا أحد يستطيع دفع المنية عن أحد.

  • وَإِذا الـمَنِيَّةُ أَنـشَبَت أَظـفارَها ****** أَلـفَيتَ كُـلَّ تَـميمَةٍ لا تَنفَعُ

فإذا جاءت المنية وأظهرت أظفارها لتنتزع الروح من ضحاياها، فلم يعد ينفع أمامها أي شيء من صنف التميمة.

  • فَـالعَينُ بَـعدَهُمُ كَـأَنَّ حِداقَها ****** سُـمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ

فكأن عينياي قد أصابها شوك حاد من أثر تلك المصيبة فأصبحت عينياي كأنها عوراء تذرف منها الدموع.

  • حَـتّى كَـأَنّي لِـلحَوادِثِ مَروَةٌ ****** بِـصَفا الـمُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ

ولم تكن تلك الفاجعة هي المصيبة الوحيدة التي صادفتها في حياتي فكأنني مثل الصفا والمروة والمصائب مثل الساعي بين الصفا والمروة تطرقني وتصيبني في الغدوة والروحة.

  • لا بُـدَّ مِـن تَـلَفٍ مُقيمٍ فَاِنتَظِر ****** أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ

ولن يهرب أحد من المنية، ولا بد له من الموت المحتم، فلا مقيم يبقى ولا حيّ يخلد في هذه الحياة، ولا تدري نفس بأي أرض تموت.

  • وَلَـقَد أَرى أَنَّ الـبُكاءَ سَفاهَةٌ ****** وَلَـسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُ

وكنت أؤمن بأن البكاء من شدة الحزن نوع من أنواع السفاهة لأنه لا يرد غائباً ولا ويزيل مصيبةً، ولكنني بعد أن أصابتني تلك المصيبة لم أجد نفسي إلا أجهش بالبكاء من غير انقطاع ولم أعد أستطيع كبح نفسي ومنعها من البكاء.

  • وَلـيَأتِيَنَّ عَـلَيكَ يَـومٌ مَـرَّةً ****** يُـبكى عَـلَيكَ مُقَنَّعاً لا تَسمَعُ

ولست وحدك الذي سوف تبكي على الأشخاص العزيزين الذي وافتهم المنية قبلك، فلا بد لك أن تأتي منيتك، وعندها ستكون أن من يُبكى عليك، وعندها لن تستطيع سماع أصوات الناس الذين سيبكون عليك.

  • وَتَـجَلُّدي لِـلشامِتينَ أُريـهِمُ ****** أنّـي لَـرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ

وهنا ينتقل الشاعر إلى تعزية نفسه وحثها على الصبر والاحتساب يقول: عليك أيتها النفس أن تكوني قويةً شديدةً لا تبدين ضعفك ولا هوانك أمام الشامتين الذين يتربصون بك، وعليك أن تريهم أنك شديدة على بأس الزمان وكل صروف الدهر ومصائبه لا تؤثر بك.

  • وَالـنَفسُ راغِـبِةٌ إِذا رَغَّـبتَها ****** فَـإِذا تُـرَدُّ إِلـى قَـليلٍ تَقنَعُ

فالنفس البشرية يمكن ترويضها والسيطرة عليها فهي تعتاد على ما تعودها عليه فإن أطلقتها وتركتها على هواها فإنها تصبح جشعة طامعة ولن تستطيع السيطرة عليها بعد ذلك ولن تتمكن من إشباع حاجاتها، وإذا عودتها على القليل فإنها ستتعود على ذلك، وقد قيلت الكثير من الأبيات التي تتوافق مع هذا المعنى منها قول البوصيري، والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على ….. حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم.

  • كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوى ****** بـاتوا بِـعَيشٍ نـاعِمٍ فَتَصَدَّعوا

فكم من أناس كانوا يعيشون في رغد عيش وحياة هنيئة وكانت أبواب النعم مفتوحة لهم ولم يكونوا يتوقعون أن تزول عنهم تلك النعم، فما إن أصابتهم مصيبة فقد أثرت فيهم وصدعتهم ونكدت عيشهم.

الصور الفنية في القصيدة

يستخدم الشعراء الصور الأدبية والتشابيه البليغة لكي ينقلوا للقارئ لوعة ومرارة ما يشعرون به من أحاسيس بداخلهم، والشاعر أبو ذؤيب الهذلي في قصيدته التي يرثي بها أولاده الخمسة قد عبر عن أصعب ما يمر به الإنسان من لوعة الفراق وشدة الحزن على وفاة شخص عزيز، مستخدماً عدداً من الصور البيانية والأدبية التي تجسد حالته وتصور ما يمر به أصدق تصوير، ومن الصور الفنية التي أوردها الشاعر في قصيدته:

  • أَودى بَـنِيَّ وَأَعـقَبوني غُـصَّةً * بَـعدَ الـرُقادِ وَعَـبرَةً لا تُقلِعُ: كناية عن شدة الحزن الذي أصاب الشاعر بعد فقده لأولاده الخمسة.
  • وَإِذا الـمَنِيَّةُ أَنـشَبَت أَظـفارَها * أَلـفَيتَ كُـلَّ تَـميمَةٍ لا تَنفَعُ: شبه الشاعر المنية بالإنسان الذي له أظافر، ذكر المشبه وهو المنية وحذف المشبه به وهو الإنسان وذكر شيء من لوازمه يدل عليه وهو امتلاك الأظافر، فهي استعارة مكنية.
  • فَـالعَينُ بَـعدَهُمُ كَـأَنَّ حِداقَها * سُـمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُ: شبه العين بأنها قد أصبها شوك من شدة الحزن، وهو تشبيه مرسل ذكرت فيه أداة التشبيه، وفي البيت أيضاً كناية عن شدة الحزن الذي أصاب الشاعر بعد فقده لأولاده الخمسة.
  • حَـتّى كَـأَنّي لِـلحَوادِثِ مَروَةٌ * بِـصَفا الـمُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُ: شبه الشاعر نفسه بالصفا والمروة وشبه المصائب بالرجل الذي يسعى بين الصفا والمروة، ذكر المشبه وهو الحوادث وحذف المشبه به وهو الإنسان وأبقى شيئاً من لوازمه يدل عليه وهو السعي، فهي استعارة مكنية.
  • كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوى * بـاتوا بِـعَيشٍ نـاعِمٍ فَتَصَدَّعوا: شبه الإنسان بالبناء الذي يتصدع من الصدمات، ذكر المشبه وهو الإنسان وحذف المشبه به وهو البناء وأبقى شيئاً من لوازمه يدل عليه وهو التصدع، فهي استعارة مكنية.

معاني المفردات الصعبة في القصيدة

على رغم من سلاسة الألفاظ وقربها من قلب القارئ لأنها نابعة من أعماق الشاعر الوجدانية نتيجة حزنه على أولاده الخمسة، إلا أننا قد نصادف بعض المفردات والتعابير الغير مألوفة نظراً لأن هذه القصيدة تعود إلى عصر الجاهلية وفيما يأتي سندرج لكم شرحاً لبعض المفردات التي قد تكون غريبة أو صعبة:

  • الجَزَع: هو حُزْن يَصْرِف الإنسان عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه.
  • التميمة: وهي خرزات أو عظام أو كتابات أو خيوط أو غيرها تعلق في أعناق الصبيان وغيرهم أو في العضد أو على البيوت أو السيارات بغرض دفع البلاء.
  • شاحباً: الشحوب هو تغير لون الوجه الذي قد يصيب الإنسان نتيجة الخوف أو الحزن.
  • مضجعاً: المضجع هو الفراش أو مكان النوم.
  • المنية: الموت.
  • العبرة: الدمعة قبل أن تفيض في العين.
  • أتضعضع: أستسلم.

شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة pdf

بالرغم من قدم قصيدة أبو ذؤيب الهذلي التي يرثي بها أولاده الخمسة إلا أن لها شهرة كبيرة جداً لذلك نجد الكثير من الناس يبحثون عن شرح لهذه القصيدة أو قد يطلب من الطلاب في المدارس أن يقوموا بشرح هذه القصيدة، وأيّاً كان هدفكم من الحصول على شرح هذه القصيدة فإننا سنترك لكم هذا الشرح بصيغة pdf يمكنكم تحميله ” من هنا “.

مقالات قد تهمك

شرح قصيدة أمرتهم أمري بمنعرج اللوى والصور الفنية فيها شرح قصيدة الكميت في مدح الهاشميين وأهم الصور الفنية فيها
شرح قصيدة انا البحر في احشائه الدر كامن للشاعر حافظ إبراهيم شرح قصيدة غذوتك مولودا وعلتك يافعا للشاعر أمية بن أبي الصلت وأهم الصور الفنية فيها
شرح قصيدة اراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة عرس المجد لعمر أبو ريشة وشرح المفردات الصعبة فيها
شرح قصيدة دريد بن الصمة يرثي أخاه عبد الله ومعاني المفردات الصعبة فيها شرح قصيدة أبو تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي وأهم الصور الفنية فيها

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا عن شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة والذي قمنا فيه بتسليط الضوء على الشاعر أبو ذؤيب الهذلي ثم شرحنا لكم أبياتاً مختارة من قصيدته المشهورة، واستخرجنا بعض الصور الفنية والأدبية منها وتعرفنا على معاني بعض المفردات الصعبة فيها، ثم أدرجنا لكم في نهاية مقالنا شرح لمقاطع هذه القصيدة بصيغة pdf.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *