شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته والصور الفنية فيها

شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته والصور الفنية فيها
شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته

شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته والصور الفنية فيها، هو ما سندرجه لكم في هذا المقال، فقصيدة المتنبي التي يرثي بها جدته تعد واحدة من أشهر قصائد الرثاء في الشعر العربي، ولم تشتهر لشهرة كاتبها فقط وإنما لما تحويه من مشاعر صادقة وعواطف جيّاشة، ولكن هذه القصيدة رغم انتشارها بين الناس إلا أن الكثير منهم قد يجد صعوبةً في فهم أبياتها وشرح مفرداتها وتفسير معنيها، لذلك سنقدم لكم في مقالنا شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته ونستخرج منها بعض الصور البيانية ونشرح المفردات الصعبة فيها.

من هو المتنبي

المتنبي احمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي ابو الطيب المتنبي، وهو سيد الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة، وهو الشاعر الحكيم وفخر العرب وأحد أعظم الشعراء العرب على مر العصور، سارت أشعاره على ألسنة الناس وانتشرت بينهم حتى عرفه الكبير والصغير، وطلق عليه لقب ” مالئ الدنيا وشاغل الناس”، عرف ببراعته الأدبية وعبقريته الشعرية وتفوقه على جميع أقرانه ممن حاولوا منافسته في الشعر والأدب.

ولد المتنبي في الكوفة في محلة تسمى “كندة” في بلاد العراق ثم نشأ في بلاد الشام، وقال الشعر من صغره ثم تنبأ في بادية السماوة بنزول المطر فنزل فظنه الناس نبياً وتبعوه إلى أن خرج إليه لؤلؤ (أمير حمص ونائب الإخشيد) فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه، ثم تنقل في بلاط الملوك والأمراء ينشد شعره فقد وفد على سيف الدولة الحمداني في حلب ثم على كافور الإخشيدي في مصر، ثم إلى وبلاد فارس وشيراز وبغداد والكوفة، وفي طريقه إلى الكوفة اعترض طريقه فاتك بن أبي جهل الأسدي مع جماعة من أصحابه وكان المتنبي قد هجاه من قبل بقصيدة بائية معروفة، فاقتتل الفريقان فقتل أبو الطيب وابنه محسد وغلامه مفلح، بالنعمانية غرب بغداد.

شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته

إن السبب الذي دفع المتنبي لكتابة هذه القصيدة هو شدة تأثره وحزنه على جدته التي ماتت بسببه، فقد كانت جدته شديدة التعلق به لدرجة أنها قد ماتت من فرحها عندما وصلها منه رسالة بعد طول انتظارها له وشوقها الكبير الذي تزامن مع مرضها بالحمّى، وفيما يأتي نقدم لكم شرحاً لأبيات هذه القصيدة:

  • ألا لا أُري الأحداثَ حَمْدًا ولا ذمّا فما بَطْشُها جَهْلًا ولا كَفُّها حِلْما

لا أبدي لحوادث الدهر ومصائبه إساءةً أو ذمًّا ولا أعترض على أحكام القدر، وأيضاً لا أثني عليها إذا شملتني بحلمها وكفّت أذاها عني، لأن الله تعالى هو الذي قدر تلك الحادثات وليس لنا من الأمر من بعده شيء.

  • إلى مثلِ ما كانَ الفتى مَرْجِعُ الفتى يعودُ كما أُبدي، ويُكْري كما أَرْمى

فكل إنسان منّا يرجع إلى مثل ما كان عليه، يكون ميتاً ثم يعود ميتاً، ويعود إلى حالته الأولى كما أُبدئ منها، وإذا بلغ الإنسان الغاية من العمر بدأ عمره ينقص إلى أن يعود إلى ما كان عليه ابتداءً من العدم.

  • لكِ اللهُ منْ مَفْجوعةٍ بِحبيبِها قتيلةِ شوقٍ غيرَ مُلْحِقِها وَصْما

أسأل الله أن يتغمدك برحمته يا جدتي فقد كانت سبب موتك هو شوقك بحبيبك وحبك الشديد له، وهذا الحب لا يلحق بك العيب والعار لأنه موجه لحفيدك وهو حب طاهر فطريّ.

  • بكيتُ عليها خِيفةً في حياتِها وذاقَ كلانا ثُكْلَ صاحبِه قِدْما

ولم تكن جدتي هي التي تبكي شوقاً لي فقط فقد كنت أبكي عليها في حياتها حبًّا في لقائها أو خوفًا من فقدها، وها هي حوادث الزمن قد فرّقت بيننا، وتغربتُ عنها فذاق كلٌّ منا فَقْدَ صاحبه قبل الموت.

  • عَرَفتُ اللَيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بِنا فَلَمّا دَهَتني لَم تَزِدني بِها عِلما

وكنت أعلم من قبل بحوادث الدهر، وكيف أنها تفرق بين الأحبة قبل أن تصنع بنا هذا التفريق، وعندمي أتتني تلك المصيبة لم تزدني علماً بتلك المصائب لأنني كنت أعرف ذلك منها مسبقاً.

  • أَتاها كِتابي بَعدَ يَأسٍ وَتَرْحَةٍ فَماتَتْ سُرورًا بي فَمِتُّ بِها غمّا

ولقد كان سبب موت جدتي أنني قد أرسلت لها رسالة أطمئنها بها عني، بعد أن أنهكها الشوق والوجد لملاقاتي، وعندما تلقت تلك الرسالة حتْ بها فرحًا شديدًا كان أقوى من أن يحتملَه قلبُها الضعيف، فماتتْ من شدة الفرح والسرور، ولكنها بعدما ماتت متّ أنا من الحزن والأسى عليها لأنني كنت السبب في موتها.

  • حَرامٌ عَلى قَلبي السُرورُ فَإِنَّني أَعُدُّ الَّذي ماتَت بِهِ بَعدَها سُمّا

وبعد أن كنت السبب في موت جدتي أشعر بأن الفرح والسرور صار محرماً عليّ وق صرت أعدّ الفرح والسرور الذي قتلها، بمثابة السمّ فأتجنبه وأحرمه على نفسي.

  • رَقا دَمعُها الجاري وَجَفَّتْ جُفونُها وَفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعدَ ما أَدمى

لقد كانت جدتي تبكي عليَّ وتحزن بسببي، وعندما جاءها الموت أراحها مني ومن العذاب الذي كان ينالها بسببي فقد انقطع ما كان يجري من دمعها على فراقي ويبست جفونها وفارق حبي قلبها بعد ما جرحه وأسال دمه.

  • وَلَم يُسْلِها إِلّا المَنايا وَإِنَّما أَشَدُّ مِنَ السُقمِ الَّذي أَذهَبَ السُقما

وكانت شديدة التعلق بي حتى أنها لم ينسها محبتي إلا الموت الذي هو أشد من السقم الذي كان بها، فهي لم تتخلى عن العذاب الذي كان ينالها بسببي حتى أتاها ما هو أشد وأعظم منه وهو الموت.

  • وَكُنتُ قُبَيلَ المَوتِ أَستَعظِمُ النَوى فَقَد صارَتِ الصُغرى الَّتي كانَتِ العُظمى

وكنت قبل أن تموت جدتي أستعظم فراقها وأظنه من الأهوال العظيمة كما كانت تفعل، ولكن عندما أخذها الموت صارت حادثة الفراق صغيرة، بعد أنْ كانت عظيمة، فموتها كان أعظم بكثير من فراقها وهي على قيد الحياة.

  • هَبيني أَخَذتُ الثَأرَ فيكِ مِنَ العِدا فَكَيفَ بِأَخذِ الثَأرِ فيكِ مِنَ الحُمّى

تأكدي يا جدتي لو أن سبب موتك الأعداء لكنت أخذت بثأري منهم، ولكن سبب موتك هو المرض والحمّى التي أصابتك من شوقك إليّ فكيف يمكنني أن آخذ بثأري منها، وهي العدو الذي لا سبيل إليه ولا قدرة عليه.

  • وَما انسَدَّتِ الدُنيا عَلَيَّ لِضيقِها وَلَكِنَّ طَرْفًا لا أَراكِ بِهِ أَعمى

وبعد موتك يا جدتي صارت الحياة مغلقة ضيقة رغم كبرها، فلم يكن ذلك الشعور بسبب ضيق الحياة، وإنما بتّ مثل الأعمى الذي فقد بصره بعد موتك.

  • تَغَرَّبَ لا مُستَعظِمًا غَيرَ نَفسِهِ وَلا قابِلاً إِلّا لِخالِقِهِ حُكْما

وفي هذا البيت يعلل الشاعر سبب خروجه من بلده وابتعاده عن جدته، فهو قد خرج من بلاده لأنه لا يستعظم أحدًا غير نفسه، ولا يرى أحدًا فوقه، يقبل حكم أحد عليه إلا حكم اللّه الذي خلقه.

  • ولا سالِكًا إِلّا فُؤادَ عَجاجَةٍ وَلا واجِدًا إِلّا لِمَكرُمَةٍ طَعما

وأن الشاعر لم يسلك في غيابه عن جدته إلا الطرق المؤدية إلى الحروب والمعارك ولم يستلذ إلا بطعم تلك المعارك التي هي من المكارم والأمور العظيمة في نظر الشاعر.

  • يَقولونَ لي: ما أَنتَ في كُلِّ بَلدَةٍ؟ وَما تَبتَغي؟، ما أَبتَغي جَلَّ أَن يُسمى

ويسألونني الناس في مكان أنزل به وقد تعجبوا من كثرة سفري وترحالي، ما أنت؟ وما الذي تبحث عنه أو تنوي الوصول إليه، فأجيبهم: إن ما أطلبه أجلُّ من أن يذكر اسمه ويذاع سرّه.

شرح المفردات الصعبة في القصيدة

تحتوي قصيدة المتنبي على عدد كبير من المفردات الصعبة نوعاً ما والمعاني العميقة التي تحتاج إلى نظرة عميقة للقصيدة لفهمها، ولكي نفهم شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته بشكل كامل لا بدّ لنا من التعرف على معاني المفردات الصعبة ومن هذه المفردات:

  • حمدًا: مدحًا وثناءً.
  • البطش: الأخذ بالقوة والغلبة والمقدرة.
  • جهلًا: سفهًا وطيشًا
  • كفُّ: (ك ف ف) امتنع وتوقف.
  • حِلْما: الأناة وضبط النفس مع القوة والقدرة.
  • أبدي: أصلها أبْدِئ، وخُففت الهمزة: بدأ وأبدأ: خلق
  • يُكري: قلّ المال أو نفد الزاد.
  • لك اللهُ: جملة اسمية دعائية (يرحمُك اللهُ)
  • وصْما: العيب، العار، النقيصة.
  • ثكل: فقدان الحبيب، والغالب استخدامها عند فقد الرجل والمرأة ولدهما.
  • الليالي: حوادث الدهر ومصائبه.
  • رقا دمعُها: تخفيف رقأ، جفّ الدمع وانقطع.
  • يُسلي: (س ل و) ينسي
  • النوى: الفراق، البعد، الهجر.
  • المنايا: جمع منيّة وهي الموت.
  • هبْ: احسب، افرض.
  • العجاجة: (ع ج ج) غبار المعركة، والجمع (عَجاج)

الصور الفنية في القصيدة

ليس غريباً على المتنبي وهو من أشعر الشعراء أن يكثر من استخدام المحسنات البديعة والتشابيه البليغة والصور البيانية المعبرة، فهي تسهم في تقريب المعنى ونقل المشاعر وفي هذه القصيدة نجد الكثير من الصور الفنية ومنها:

  • ما بَطْشُها جَهْلًا، ولا كَفُّها حِلْما: (المحسن البديعي المقابلة).
  • يُكري: قلّ المال أو نفد الزاد، أَرْمى: زاد وكثر (المحسن البديعي طباق)
  • ماتت سرورًا بي، متُّ بها غمّا (المحسن البديعي مقابلة)
  • جفّ، جفون (المحسن البديعي جناس ناقص)
  • صارت الصغرى، كانت العظمى (المحسن البديعي مقابلة)
  • ألا لا أُري الأحداثَ حَمْدًا ولا ذمّا * فما بَطْشُها جَهْلًا ولا كَفُّها حِلْما: استعارة مكنية، شبه الأحداث بالإنسان الذي يبطش، ذكر المشبه وهو الأحداث وحذف المشبه به وهو الإنسان وأبقى شيئاً من لوازمه يدل عليه وهو البطش.
  • هَبيني أَخَذتُ الثَأرَ فيكِ مِنَ العِدا* فَكَيفَ بِأَخذِ الثَأرِ فيكِ مِنَ الحُمّى: استعارة مكنية، شبه الحمى بالعدو، ذكر المشبه وهو الحمى وحذف المشبه به وهو العدو وأبقى شيئاً من لوازمه يدل عليه وهو نيل الثأر منه.

شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته pdf

إن شرح القصائد من أبرز الطرق التي يمكن أن يتعلم من خلالها الطلاب فنون اللغة العربية وآدابها، فمن خلال مرورهم على شرح أبيات القصائد سيتعرفون على الكثير من المفردات الجديدة وسيتعلمون العديد من فنون الصياغة والإنشاء، وسيدفعهم الفضول لإعراب الكلمات التي تحتل مواقع غريبة في الأبيات، وسيتذوقون لحن بحور الشعر وأنغامه المتناسقة، لذلك يحرص المدرسون على إسناد الواجبات اللاصفية إلى الطلاب التي تتعلق بشرح القصائد ولا شك أن قصائد المتنبي من أفضل القصائد التي يمكن أن يتعلم الطلاب من شرحها وفهمها وتحليلها، لذلك سنترك لكم الشرح الذي قدمناه في هذا المقال بصيغة pdf يمكنكم تحميله ” من هنا“.

مقالات قد تهمك

شرح قصيدة المقنع الكندي يعاتبني في الدين قومي ومعاني المفردات فيها شرح قصيدة لا تحسبن العلم ينفع وحده لحافظ إبراهيم وأهم الصور الفنية فيها
شرح قصيدة أنا وليلى لحسن المرواني وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة غذوتك مولودا وعلتك يافعا للشاعر أمية بن أبي الصلت وأهم الصور الفنية فيها
 شرح قصيدة اراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة مديح الظل العالي لمحمود درويش وأهم الصور الفنية فيها
شرح قصيدة روائع الاثار للشاعر خليل مطران وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة قصة الأمس لأحمد إبراهيم فتحي وأهم الصور الفنية فيها

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا عن شرح قصيدة المتنبي في رثاء جدته والصور الفنية فيها، والذي تعرفنا فيه على نبذة عن الشاعر المتنبي ثم شرحنا لكم بعض الأبيات من هذه القصيدة، واستخرجنا بعض الصور الفنية والأدبية منها وتعرفنا على معاني بعض المفردات الصعبة فيها، ثم أدرجنا لكم في نهاية مقالنا شرح لأبيات هذه القصيدة بصيغة pdf.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *