شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد

شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد
شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد

شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد هذه القصائد التي تُعدّ من أكثر القصائد انتشار في مناسبة رأس السنة الميلادية من كل عام، حيث يبدأ الكثير من الناس الاهتمام بها والبحث عن شرحها ومعناها ونصها، ولذلك سوف نقوم من خلال هذا المقال بتسليط الضوء على من هو كاتب هذه القصيدة وسوف نمر على تقديم الشاعر لهذه القصيدة في المناسبات التي ألقاها فيها وسوف نمر على شرح هذه القصيدة بالتفصيل.

كاتب قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد

إنّ الشاعر الذي كتب قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد هو الشاعر العراقي الشهير مظفر عبد المجيد النواب، وهو المولود في العاصمة العراقية بغداد في سنة 1934 ميلادية، وهو شاعر عراقي معاصر وأحد المعارضين السياسيين البارزين في القرن العشرين، عُرف باسم شاعر القصيدة المهربة، وقد تعرض للملاحقة في حياته وسُجن في العراق وعاش في العديد من العواصم العربية وأهمها بيروت ودمشق، وعاش أيضًا في العديد من المدن الأوروبية، وقد درس النواب في جامعة بغداد وصار مدرسًا ولكن بسبب مواقفه السياسية طرد من التدريس في سنة 1955 ميلادية وعانى من ضائقة مادية كبيرة لمدة ثلاث سنوات، انضم للحزب الشيوعي في العراق وتعرض للتعذيب من قبل الحكومة الهاشمية بعد ثورة العراق في سنة 1958 ميلادية التي قضت على النظام الملكي.

ثم صدر قرار بتعيينه مفتشًا في وزارة التربية والتعليم، وفي سنة 1963 ميلادية اضطُرّ للهذاب إلى إيران وهناك اعتقلته المباحث الإيرانية وسلمته للحكومة العراقية التي أصدرت حكمًا بإعدامه بسبب قصيدة من قصائده ثم خفف عنه الحكم للسجن المؤبد، وفي أثناء قضاء حكمه في سجن الحلة جنوب بغداد تمكن من حفر نفق وحرب من السجن وعاش في جنوب العراق متخفيًا مع الفلاحين البسطاء في الأهوار، وفي سنة 1969 ميلادية صدر مرسوم عفو عن كثير من الملاحقين وهو منهم فعاد إلى العمل في التعليم، ثم غادر بغداد إلى دمشق ثم بيروت ثم أوروبا، وفي سنة 1981 تعرض لمحاولة اغتيال في اليونان، وبعد سنوات من الهرب والسفر توفي عن عمر ناهز ثمانية وثمانين عامًا في مستشفى من مستشفيات إمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة في يوم العشرين من شهر مايو أيار من عام 2022 ميلادية ودُفن في النجف في العراق. [1]

تقديم قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد

قرأ مظفر النواب قصيدته ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد مرتين، مرة قدمها تقديمًا طويلًا ومرة قدمها تقديمًا قصيرًا مختصرًا، وفيما يأتي نمر على هذين التقديمين:

  • التقديم الأول: قال النواب في المرة الأولى التي قرأ فيها قصيدته هذه أثناء تقديمه لها:
    • “إذا خَمِرَت الروحُ بالعِشق سَكرَ الجسدُ بالماءِ القُراح وانزاحَ معنى الحانة إلى معنى الوجود، كُلٌّ حَسْبَ طريقَتِهِ في العِشقِ يُصَلِّي، ويَعتكر اللفظُ فيحجبُ الكثيرَ من المَعنى والإبداعُ تركيبُ الألفاظ لتَشُفَّ أكثرَ عن المُراد أو لتَشُفَّ أكثرَ مِنَ المُراد أو أقَلَّ عَن قَصدٍ لتوفيرِ الظُلمة للنجومِ البعيدة فلا بدّ لكي تُرى النَجمة أن يكونَ هنالك ليل هنا المُشكل أن تَشُفُّ الروحُ بالكلمة أو تَشُفَّ الكلمةُ بالروح، هذا عِشقٌ وهذا عِشق، أن تُلازمَ الخَلوةَ بمحبوبِكَ لتلازمَ الخَلوةَ بالناس، وهُنا مُشكلٌ آخر، أَيُدِلُّكَ المحبوبُ على الناس؟ أم يُدُلُّكَ الناسُ على المحبوب؟ وتتزاحمُ أوتارُكَ كُلُّها لمَعنى الشهادة، فَأَن تُقاتلَ وتُقْتَل دفاعاً عن الأرضِ شهادة، وأن تُقاتِلَ وتُقْتَل دِفاعاً عَن كرامةِ الإنسانِ شهادة، وأن تُقاتِلَ وتُقْتَل دِفاعاً عَن أُغنِيَةِ قَلبِكَ شَهادة، قاتِلوا دِفاعاً عَن أغاني قُلوبِكُم أيُّها الشباب، نَحْنُ في أصعبِ المُعادَلات، وللمُخلصين يَشُفُّ مُجهولُ المُعادَلة، لا أَتَنَصَّلُ مِن كَلِمَةٍ دَفَعَها قَلبي إلى شَفَتَيَّ، ما أَزالُ على: جِسْرِ المَباهِجِ القَديم ولا أزالُ في: أَيَّها القبطان ولا أزالُ في الفَجرِ الذي حَلَّقَ فيه خالد أَكَر اِبنُ حَلب الشامِخة ولا أزالُ في حانَتي القَديمة و الأُمنيات الثلاث على بوَّابَةِ السَنَةِ الجَديدة”.
  • التقديم الثاني: قال مظفر النواب في تقديمه لهذه القصيدة قبل أن يقرأها للمرة الثانية:
    • “هذه القصائد لَمْ تُكتب لمناسبة، كُتَبَت لدهرٍ من الحزنِ والتحدي، لا خوفَ أن يطول، ما دمنا ننبض والأفضلون يحملون السلاح، اغفروا لي حزني وخمري وغضبي وكلماتي القاسية، بعضك سيقول بذيء لا بأس، أروني موقفاً أكثر بذاءة مما نحن فيه”.

شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد

تُعدّ قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد من أشهر القصائد التي كتبها الشاعر العراقي مظفر النواب، وفيما يأتي سوف نقوم بتسليط الضوء على شرح هذه القصيدة كاملة:

مرَّةً أُخرى على شُبّاكنا تبكي
ولا شيءَ سوى الريحِ
وحبّاتٍ من الثلجِ على القلبِ
وحزنٍ مثلَ أسواقِ العراق
مرَّةً أُخرى أمدُّ القلبَ
بالقربِ من النَهْرِ زُقَاق
مرَّةً أُخرى أُحَنِّي نِصْفَ أقدامِ الكوابيسِ بقلبي
وأُضيءُ الشمعَ وحدي
وأُوافيهِم على بُعْدٍ
وما عُدْنا رِفاق

يصور الشاعر مظفر النواب حالة تملكته عند رأس السنة الميلادية في سنة من السنين التي قضاها في أثينا في اليونان مغتربًا عن العراق، فيقول: مرة أخرى وسنة أخرى تقف على الشباك وأنت تبكي وتدمع، لا شيء في هذا المكان وهذه البلاد سوى الريح والثلج يتساقط على القلب والحزن الذي يشبه أسواق العراق الحزينة، ثم يقول: مرة أخرى وسنة أخرى أمد القلب زقاقًا قريبًا من النهر، ومرة أخرى أتناسى الكوابيس والأحلام السوداء وأضيء شمعة في وسط هذا الظلام الكئيب والحزن الأسود.

لمْ يَعُدْ يذكُرُني منذ اخْتَلفنا أَحدٌ غير الطريق
صارَ يكفي!
فَرَحُ الأجراسِ يأتي من بعيدٍ
وصهيلُ الفتياتِ الشُقْرِ يستنهِضُ عزمَ الزمنِ المُتْعَبِ
والريحُ من الرُقْعَةِ تغتابُ شموعي
رُقْعَةَ الشبّاكِ
كم تُشْبِهُ جوعي

ثم يقول النواب إنّه صار بعيدًا، لم يعد يتذكره أحد منذ أن ابتعد عن دياره سوى الطريق الذي جاء منه والذي نقله من الوطن إلى المنفى، يقول: لقد صار يكفي أن يأتي فرح الأجراس من بعيد، وصار يكفي صوت الفتيات الأوروبيات الشقر وهو يثير عزم الزمن على الرغم من تعبه وقلقله وانكساره، صارت الريح تكفي وهي تكسر ضوء الشموع، وحتّى الرقعة الموجودة في هذا الشباك الذي ينظر منه الشاعر، صارت تكفي، فهي تشبه الجوع الذي يعاني منه.

و”أثينا” كُلَها في الشارعِ الشِتْويِّ
تُرْخِي شَعْرَها للنَمَشِ الفِضِيِّ
وللأشرطةِ الزرقاءَ واللذّةِ
هل أخرجُ للشارعِ؟
مَنْ يَعرِفُني؟
مَنْ تَشْتَريني بقليلٍ من زوايا عيْنِها؟
تعرِفُ تَنْويني وشَدَّاتي وَضَمِّي وجُموعي

يقول النواب: إنّ مدينة أثينا في هذه اللحظة كلها تمشي في الشارع الشتوي، كلها ترخي شعرها على هذا المنظر الرائع الذي يشبه النمش الفضي، على هذه الأشرطة الملونة وعلى هذا المكان المليء باللذة والجماع، ثم يتساءل: هل أخرج إلى الشارع لأشارك الناس في أثنيا هذا العرس الكبير، مَنْ مِنْ هؤلاءِ الناس يعرفني ويعرف أصلي وشكلي ومظهري، مَنْ مِنْ هؤلاء الفتيات تشتريني يقليل من كحل عيونها، مَنْ منهنّ تعرف خفايا لغتي وطبعي وشداتي وضمي وجموعي وكلي.

أيْ إلهي إنَّ لي أمنيةً:
أنْ يسْقُطَ القمعُ بداءِ القلبِ
والمَنْفَى يعودون إلى أوْطانِهمْ
ثُمَّ رُجوعي..
لم يَعُدْ يذكُرِني منذُ اخْتَلَفنا غير قلبيْ والطريقْ
صارَ يكفي
كُلُّ شيءٍ طَعْمُه
طَعمُ الفِراق..
حينما لم يبقَ وَجْهُ الحزبِ وَجَهَ الناسِ
قد تَمَّ الطلاقْ..
حينما ترتفعُ القاماتُ لَحْناً أُمَمِيَّاً
ثُمَ لا يأتي العِراقْ..

يبدأ الشاعر في هذا المقطع بسؤال الله تعالى، يقول: إن لي يا رب أمنيةً أو حلمًا، ألّا يبقى في هذا العالم قمع أو استبداد، لأنّ القمع هو الذي أوصل الشاعر إلى منفاه ذاك الذي يعانيه، فيعود المنفيون إلى أوطانهم بعد زوال القمع والاستبداد ثم أعود أنا، ثم يعيد الجملة السابقة: لم يعد يعرفني في هذه البلاد غيري، والطريق الذي جاء بي إلى هنا، لأنه يعرف من أين أتيت، كل شيء في هذا المكان له نكهة الفراق وطعم الفراق،

كانَ قَلْبِيْ يَضْطَرِبْ..
كنتُ أبكي!
كنتُ أستفْهِمُ عن لَوْنِ عريفِ الحَفلِ؟
عَمَّنْ وَجَّهَ الدعوةَ؟
عَمَّنْ وضعَ اللحنَ؟
ومَنْ قادَ؟ ومَنْ أنْشَدَ؟
أستَفْهِمُ حتى عن مذاقِ الحاضرينْ!

يصفُ الشاعرُ حالة قلبه الذي كان يضطربُ ويعاني في منفاه في الغربة، فيقول: كنت أبكي وأعاني وأطرح الأسئلة الكثيرة عن الأشياء حولي، من وجه الدعوة ومن وضع لحن الموسيقا ومن قاد العازفين ومن أنشد في تلك الليلة، في ليلة رأس السنة، من وضع أجواء هذا الحفل الغريب في هذا المكان الغريب لهذا الرجل الغريب.

يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي ..
إنَ لي أمنيةً ثالثةً
أنْ يَرْجِعَ اللَحْنُ عراقيّاً
وإن كانَ حزينْ
ولَقَدْ شَطَّ المَذَاقْ
لَمْ يَعُدْ يذكُرُني منذ اختلفنا أحدٌ في الحفلِ
غير الاحتراقْ
كان حفلاً أُمَمِياً
إنَما قَدْ دُعِيَ النفطُ
ولم يُدْعَ العراقْ

يعود الشاعر السياب إلى مناشدة الله رب العالمين، فيقول: يا إلهي إنّ لي أمنية أخرى، أن يرجع إلى سمعي اللحن العراقي، أريد أن أسمع موسيقا عراقية وإن كانت حزينة، لقد تغير علي لون الموسيقا وطعمها وتغير معها طعم الأشياء، لم يذكرني أحد في هذا المكان منذ أن افترقنا أنا وموطني غير الاحتراق والمعاناة والألم، حفلًا لم أجد فيه العراق أبدًا.

يا إلهي..
رغبةٌ أخرى إذا وافقتَ
أن تغفرَ لي بُعْدِي وأُمِّي
والشُجَيراتِ التي لم أسْقِها منذُ سنين..
وثيابي
فلقد غيرتُها أمسِ بثوبٍ دونَ أزرارٍ حزين..
صارتْ الأزرارُ تُخفي
ولذا حذّرتُ منها العاشقين..
لا يقاسُ الحزنُ بالأزرارِ
بل بالكشفِ
إلا في حسابِ الخائفين..

يقول مظفر النواب في هذه الأبيات: يا رب أريد أمنية أخرى، أن تغفر لي بُعدي عن أمي والمعاناة التي تعانيها أمي في فراقي، وأن تغفر لي أنّني لم أسق الشجرات في حديقة بيتي منذ سنوات، وأن تغفر لي تغير لباسي، فمنذ وصلت إلى هنا تغير لباسي وصرت ألبس ثوبًا غربيًا من دون أزرار، لا يقاس الحزن بالأزرار بل بكشف الأزرار وفق ما يفكر الخائفون في هذا العالم.

مقالات قد تهمك

شرح قصيدة أمرتهم أمري بمنعرج اللوى والصور الفنية فيها شرح قصيدة ابن نباتة في مدح الرسول وأجمل الصور الفنية فيها
شرح قصيدة قصة الأمس لأحمد إبراهيم فتحي وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة أيها العمال لأحمد شوقي وأهم الصور الفنية
شرح قصيدة امرؤ القيس فهي هي وَهِي وأهم الصور الفنية فيها شرح قصيدة لا تشكو للناس جرحا انت صاحبه والصور الفنية فيها
شرح قصيدة بانت سعاد فقلبي اليوم متبول لكعب بن زهير شرح قصيدة اراك عصي الدمع لأبي فراس الحمداني وأهم الصور الفنية فيها

نكتفي بهذا القدر ونصل إلى ختام هذا المقال الذي مررنا فيه بالتفصيل على شرح قصيدة ثلاث أمنيات على أبواب العام الجديد ومررنا على كاتب هذه القصيدة وعلى التقديم الذي قدمه شاعر هذه القصيدة قبل أن يقرأها في مناسبتين اثنتين في حياته.

المراجع

  1. ^ wikiwand.com، مظفر النواب، 25/12/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *