كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد

كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد
كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب

كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد فكل إنسان في هذا العالم لا بدّ وأن يُخطئ أو يذنب أو يرتكب عملًا فيه معصية لله تعالى، سواء كانت هذه المعصية صغيرة أم كبيرة، وعلى المسلم أن يسارع في التوبة إلى الله سبحانه وتعالى قبل أن ياتي أجله ويُقبَضُ روحه وعندها لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فكيف يتوب الإنسان إلى ربه، في هذا المقال هنالك وقفة مع طريقة التوبة من جميع الذنوب.

كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب

إنّ باب التوبة هو باب كرمٍ واسعٍ قد فتحه الله جلّ في علاه في وجه كلّ تائبٍ آيبٍ لله عزّ وجل نادم على ذنبه، فإن لم تكن هناك عودة لله عزّ وجل لضلّ كثير من المسلمين، لكنّ الله عزّ وجل ولشدة رحمته بالعباد أبقى باب التوبة مفتوحًا أمام عباده، ولمّا كان كريمًا رحيمًا رؤوفًا كان غفورًا يقبل توبة كلّ تائب، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[1] وفيما يأتي طرق لكيفية التوبة من جميع الذنوب.[2]

شاهد أيضًا: ما هي كفارة ترك الصلاة لسنوات عمدا او تكاسلا

الإقلاع عن الذنب

إنّ الذنوب كثيرة منها الكبائر ومنها الصغائر، والتوبة منها تحتاج إلى إقلاع عن الذنب أولًا، ويكون الإقلاع عن الذنب بالابتعاد عنه، وعدم العودة إليه مرة أخرى، وقد جاء في ذكر الله لصفات المتقين أنّهم توّابون، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.[3]

فقد وصف الله المتقين بأنهم ينفقون المال، ويملكون أنفسهم، ويعفون عن الآخرين، ثمّ وصفهم بأنهم إذا فعلوا ذنب سواء أكان هذا الذنب من كبائر الأمور أو من صغائرها يسارعون في التوبة إلى الله عزّ وجل، ويكون الإقلاع عن الذنب بتذكر سخط الله وعقابه، فإذا تذكّر الإنسان ذلك سارع في الابتعاد عمّا يغضب الإله، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.[4]

وعلى المسلم أن يوقن أنّه من ترك شي لله عوّضه الله خير منه، فقد جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الصحيح: “أتينا على رجلٌ من أهلِ الباديةِ فقلنا هل سمعتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا قال نعم سمعته يقولُ إنك لن تدعَ شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا أبدلك اللهُ به ما هو خيرٌ لك منه وفي روايةٍ أخذَ بيدِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فجعل يُعلمُني مما علَّمه اللهُ تباركَ وتعالَى وقال إنك لن تدعَ شيئًا اتقاءَ اللهِ عزَّ وجلَّ إلا أعطاك اللهُ خيرًا منه”،[5] والله أعلم.[2]

الندم على ما فات

إنّ الندم هو الركن الأساسي للتوبة، فدونه لا تصح التوبة، فمن لم يندم على ما فعله لا يمكننا أن نعتبره تائبًا، فعدم شعور المذنب بالندم هو دليل واضح على رضاه بالذنب، فالندم توبة، والندم أن يرافق المرء شعور الألم والأسى على ما وقع منه من ذنب، وأن يققى يعيش مع شعور تأنيب الضمير على تخطيه لحدود الله تعالى، فيلجأ لله تعالى بالدعاء والرجاء طالبًا العفو والمغفرة، ولكن ينبغي أن يترافق الندم مع الشروط المتبقية لصحة هذه التوبة، وقد جاء في الحديث أنّ التابعي عبد الله بن معقل بن مقرن قال: “دخَلتُ معَ أبي علَى عبدِ اللَّهِ، فسَمِعْتُهُ يقولُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: النَّدَمُ توبةٌ، فقالَ لَهُ أبي: أنتَ سمعتَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: النَّدَمُ توبةٌ، قالَ: نعَم”،[6]

العزم على عدم العودة للذنب

إنّ الإصرار على الذنب من الأمور السيئة التي قد تؤذي صاحبها، والإصرار شرعًا: هو الإقامة على فعل المعصية بالرغم من معرفة حرمتها وعدم التوبة والاستغفار بعد القيام بها والعياذ بالله، فلذا ينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه لعدم العودة لهذا الذنب مرة أخرة، وفيما يلي خطوات تساعد العبد على ذلك:[2]

  • حسن الظن بالله: وحسن الرجاء، فعلى العبد أن يحسن ظنّه بربه، فالله عزّ وجل لن يردّه خائبًا بإذن الله تعالى، إذ يقول عزّ وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}،[1] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “قالَ اللَّهُ تعالى: أنا عِندَ ظنِّ عَبدي، فَليَظُنَّ بي ما شاءَ”.[7]
  • الخوف من الله تعالى ومن غضبه: إذ ينبغي على المرء أن يضع خوفه من الله نصب عينيه، فمن يرجو رضا الله يخاف غضبه، والعبد الراجي يتردّد بين الخوف والرجاء، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.[8]
  • معرفة أسباب الوقوع في الذنب: ومحاولة إزالة هذه الأسباب.
  • العمل على تقوية دين الإنسان: من خلال قراءة القرآن والأعمال الصالحة، فإنّ الدين القوي يكفّ المسلم عن المعصية.
  • الإكثار من الدعاء: ولا سيّما في أوقات الاستجابة.

رد الحقوق لأصحابها

لقد اختلف العلماء في القوم بما يتعلّق برد الحقوق إلى أصحابها، هل هو شرطٌ لصحة التوبة لا تصح بدونه، أو إنه ليس شرطًا لصحّتها بل هو أمرٌ مستقل، وفيما يلي بيان ذلك:[9]

  • القول الأول: قال بعض العلماء إنّ التوبة لا تتم إلا بأركانها، وهي الندم على الذنب والإقلاع عنه، ومجاهدة النفس على عدم العودة إليه، ورد الحقوق لأصحابها، وعند هذا الفريق من العلماء لا يسقط حق التوبة لله حتى يؤدي الحقوق لأصحابها.
  • الفريق الثاني: أمّا الفريق الآخر فقد رأى أنّ أركان التوبة هي الندم على الذنب والإقلاع عنه، ومجاهدة النفس على عدم العودة إليه فقط، وبالنسبة لرد الحقوق لأصحابها فهو أمر واجب ولكنه مستقل عن التوبة، وقد استدلوا على ذلك بما جاء في حديث التابعي عبد الله بن معقل بن مقرن إذ قال: “دخَلتُ معَ أبي علَى عبدِ اللهِ، فسَمِعْتُهُ يقولُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: النَّدَمُ توبةٌ، فقالَ لَهُ أبي: أنتَ سمعتَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: النَّدَمُ توبةٌ، قالَ: نعَم”،[6] وعند هذا الفريق يسقط حق الله بالتوبة ولكن يأثم العبد ويحاسبه الله على ما يتعلق بحق الآدمي، ولكنّ القولان على الشروع في التوبة حالًا مع المسارعة إلى رد الحقوق لأصحابها.

الإكثار من الاستغفار والدعاء

لقد خُصّ الاستغفار بالذكر في العديد من المرات في كتاب الله وسنة رسوله، وذلك لما للاستغفار من أهمية عظيمة للعبد، فالاستغفار هو اعتراف بعظمة الله عزّ وجل، واعتراف بحاجة العبد إلى ربه وخضوعه له وتذلله إليه، فالعبد بحاجة إلى ربه وإلى مغفرته ورحمته مهما كثرت أعماله الصالحة، فالسيئات لا تذهب إلا بالتوبة، والتوبة تحتاج إلى استغفار للذنب، ومما جاء في فضل الاستغفار عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مَنْ أحبَّ أنْ تسرَّهُ صحيفتُهُ، فليُكْثِرْ فيها مِنَ الاسْتغفارِ”،[10]فالاستغفار هو سلاح المؤمن وطريقه للنجاة، وذلك لما ثبت عن الاستغفار من فضل وفوائد، ومن فوائده:[11]

  • حماية المستغفرين: وذلك من أن يلحق بهم عذاب الله تعالى، فقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.[12]
  • الشعور بالخضوع والعبودية لله جلّ جلاله: يقول الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[13]
  • نزول المطر إذا أمسكت السماء: وذلك لأن القحط يكون بسبب كثرة الذنوب، يقول الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}.[14]
  • تفريج الهموم: فقد جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “مَن أكثَرَ الاستغفارَ جعَلَ اللهُ له مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخرَجًا، ورَزَقَهُ مِن حيثُ لا يَحتسِبُ”.[15]

شاهد أيضًا: ما الفرق بين التوبة والاستغفار وما فضلهما وشروطهما

الإكثار من الأعمال الصالحة

إنّ الله عزّ وجل خلق الإنسان، وخلق له الطريق الصحيح القويم والطريق المعوج، ومنحه الأسباب ليسير في هذه الحياة، فكانت أحد هذه الأسباب التي تؤدي إلى فلاح المرء “الإكثار من الأعمال الصالحة” فإذا ما تاب المرء إلى ربه من ذنبٍ قد أذنبه كان لا بدّ له من شيء يشجعه على الثبات على التوبة، وفي هذه الحالة تكون الأعمال الصالحة هي الحل الأمثل، وذلك لما لها من فضل كبير عند الله تعالى، فقد وعد الله تعالى عباده الذين يعملون الصالحات بحياة طيبة، حيث يقول جلّ في علاه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.[16]

فإذا ما داوم المرء على الأعمال الصالحة التي بها رضا الله عزّ وجل امتلأ قلبه بالإيمان، وتغذّى قلبه به حتى أصبح يأنف المعاصي ويكرهها ويبتعد عنها، وللأعمال الصالحة فوائد جمة، منها:[17]

  • الشعور بلذة كبيرة والبعد عن كل ما يسوء النفس ويؤذيها، وهذا على عكس الذنوب والأعمال التي تغضب الله.
  • دوام لذة الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة، وذلك عكس ملذات الدنيا الآنيّة.
  • عدم انتهاء لذة العمل الصالح، فمهما فعلت من عمل صالح أقبلت على غيره دون ملل، أما ملذات الدنيا سرعان ما يمل الإنسان منها.
  • كسب المؤمن لملذات الآخرة، فإنّ ملذات الأعمال الصالحة تكسب المؤمن ملذات الآخرة، أمّا ملذات الدنيا فإنها تحرم المؤمن من ملذات الآخرة، وهكذا وبعد أن يذوق المرء حلاوة الأعمال الصالحة ولذّتها ستبعده عن كلّ ما فيه غضب الله تعالى، وذلك لأن الدوام على الطاعات سيجعله ينفر من المعاصي، لذا كان الدوام على الطاعات سلاحًا مهمًّا في الثبات على التوبة.

الابتعاد عن رفاق السوء

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “المرءُ على دِينِ خَليلِه، فلْيَنْظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلُ”،[18] ومن هنا يُعلَم أنّ الأصدقاء لهم أثرٌ كبيرٌ في الشخص، لذا ينبغي على الإنسان أن يحسن اختيار صديقه، فالصاحب ساحب، كما ينبغي على المرء إذا حضره رفيق سوء أن يبتعد عنه ويهجره، فقد قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}.[19]

فقد يكون المرء يرتكب بعض الذنوب ويتوب عنها، فإذا ما عاد لمعاشرة أصدقائه الذين يرتكبون الذنوب ذاتها أو غيرها ضعفت عزيمته وعاد للوقوع في الذنب مرة أخرى، أمّا إن اختار المرء أصدقاءً أنقياءً أوفياءً يخافون الله ويتقون غضبه فإنّ ذلك خير له في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا سيعمل صالحًا، وفي الآخرة سيكسب رضا الله عزّ وجل.[20]

الإكثار من ذكر الموت والآخرة

إنّ ذكر الموت والآخرة وما ينتظر المرء من حساب وعقاب أمرٌ في غاية الأهمية، إذ يجعل هذا الأمر من المرء في حالة خوف مستمر من المعصية أو الوقوع في الخطأ والعياذ بالله، فيسارع إلى التوبة من الذنوب، وكذلك يجاهد نفسه على عدم الوقع بها مرة أخرى، كما أنّ ذلك يجعله مصرًّا على الطاعات، فقد جاء في الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ . يَعْنِي الموْتَ”،[21] وجاء أيضًا في الحديث الذي يرويه ابن عمر -رضي الله عنهما- أن فتى سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: “أيُّ المُؤمنينَ أفضلُ؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا، قال: فأيُّ المُؤمنينَ أكيَسُ؟ قال: أكثَرُهم للموتِ ذِكرًا وأحسَنُهم له استعدادًا قبْلَ أنْ يَنزِلَ بهم”،[22] والله أعلم.[23]

كيف أتوب إلى الله بعد الزنا

إنّ الزنا هو من أكبر الذنوب، فقد حذّر الله تعالى منه في كتابه العزيز، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}،[24] وقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}.[25]

ولكن مع عظم هذا الذنب إلا أنّ التوبة النصوح تمحوه بإذن الله تعالى، فإنّ الله قد فتح باب التوبة، وإنّه لغفور رحيم، ولكن حتى تقبل هذه التوبة من هذا الذنب العظيم ينبغي أن يتوفّر فيها شروط معيّنة، فينبغي على فاعل هذا الذنب أن يتركه حالًا، وأن يندم عليه، وأن يعاهد الله عزّ وجل ويجاهد نفسه على عدم العودة إليه مرة أخرى، وينبغي على التائب أن يتخذ من الصوم والعبادة والصلاة وجميع الأعمال الصالحة وسيلةً ليحافظ على التزامه بتوبته بإذن الله تعالى.[26]

كيف أتوب إلى الله من ذنب متكرر

إنّ التوبة الصادقة تمحو الذنوب، فقد قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}،[27] فمن يجاهد نفسه ويتوب توبة صادقة يوفّقه الله تعالى ويثبته على توبته، فإن تاب المرء من ذنبه توبة صادقة، ثم عاد وكرّر ذلك الذنب لم يضرّه الذنب الأول، بل ضرّه الثاني حتى يتوب، فإن تاب محا الله ذنبه بإذن الله.[28]

فلو تكرر الذنب وكان بعد كلّ مرة يتكرّر بها ذلك الذنب توبة صادقة لم يضر ذلك صاحب الذنب بإذن الله، ولذا على المرء وإن تكرر ذنبه أن يلجأ في آخر مرّة أذنب بها إلى التوبة الصادقة، فيتوب إلى الله ويعاهد نفسه على الثبات، ويجاهد في سبيل ذلك، وعليه أيضًا أن يقصد سبل الخير كلها، فإنها أدعى لاجتناب الذنوب والابتعاد عنها.[28]

شاهد أيضًا: متى تظهر نتائج الاستغفار ، أهم فوائد الاستغفار للمسلم

متى لا يقبل الله توبة العبد

إنّ توبة العبد لا يقبلها الله تعالى في حالتين فقط:[29]

  • إذا تاب وهو طريح على فراش الموت وقد غَرغَرَ: أي: وصل روحه إلى الغرغرة، وذلك لأنّ التوبة تكون في حال الصحة والأمل بالحياة، فقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.[30]
  • عندما تشرق الشمس من مغربها: وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: “مَن تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عليه”،[31] هاتان الحالتان اللتان لا تقبل التوبة بهما فقط.

كيف أتوب إلى الله من ترك الصلاة

إنّ الصلاة ركنٌ أساسي من أركان الإسلام، وقد توعّد الله تاركها بالعذاب والعقاب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}،[32] كما ذكر الله عزّ وجل أن الصلاة هي سبب الفلاح والصلاح، فقد قال جلّ في علاه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}،[33] ثمّ يقول تعالى بعد ذلك: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}،[34] فالتوبة من ترك الصلاة تكون بالمسارعة إلى المواظبة عليها والحفاظ عليها، ومما يساعد في ذلك تذكّر الثواب المنتظر والمكانة الرفيعة عند الله عزّ وجل للمصلي، وكذلك تذكّر العقاب الموعود لتاركها والعياذ بالله.[35]

وبهذا يكون قد تم مقال كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد، بعد الوقوف على بعض الطرائق التي تفيد في التوبة من الذنوب والمعاصي والثبات على التوبة بعد ذلك، إضافة للوقوف على بعض المسائل المتعلقة بباب التوبة.

المراجع

  1. ^ سورة الزمر، الآية: 53
  2. ^ binbaz.org.sa، طريقة التوبة من المعاصي، 28/03/2023
  3. ^ سورة آل عمران، الآية: 133 - 136
  4. ^ سورة الأعراف، الآية: 201
  5. ^ مجمع الزوائد، أبو قتادة وأبو الدهماء، الهيثمي، 10/299، حديثٌ [روي] بأسانيد ورجالها رجال الصحيح.
  6. ^ مصباح الزجاجة، عبد الله بن مسعود، البوصيري، 4/247، حديث إسناده صحيح رجاله ثقات وله شاهد.
  7. ^ الجامع الصغير، واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، السيوطي، 6031، حديث صحيح.
  8. ^ سورة الأنبياء، الآية: 90
  9. ^ islamweb.net، هل يتوب من المظالم أولا أم يردها ثم يتوب، 28/03/2023
  10. ^ الجامع الصغير، الزبير بن العوام، السيوطي، 8303، حديث صحيح.
  11. ^ alukah.net، الإكثار من الاستغفار، 28/03/2023
  12. ^ سورة الأنفال، الآية: 33
  13. ^ سورة آل عمران، الآية: 146 - 148
  14. ^ سورة نوح، الآية: 10 - 11
  15. ^ المستدرك على الصحيحين، عبد الله بن عباس، الحاكم، 7886، حديث صحيح الإسناد.
  16. ^ سورة النحل، الآية: 97
  17. ^ alukah.net، لذة الأعمال الصالحة وأثرها في حياتنا، 28/03/2023
  18. ^ المستدرك على الصحيحين، أبو هريرة، الحاكم، 7526، حديث صحيح.
  19. ^ سورة الزخرف، الآية: 67
  20. ^ islamweb.net، الابتعاد عن أصحاب السوء نجاة في الدنيا والآخرة، 28/03/2023
  21. ^ خلاصة الأحكام، أبو هريرة، النووي، 2/891، حديث إسناده صحيح.
  22. ^ المستدرك على الصحيحين، عبد الله بن عمر، الحاكم، 8848، حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
  23. ^ islamweb.net، فوائد الإكثار من ذكر الموت، 28/03/2023
  24. ^ سورة الفرقان، الآية: 68 - 70
  25. ^ سورة الإسراء، الآية: 32
  26. ^ islamweb.net، التوبة من الزنا مقبولة بشروطها، 28/03/2023
  27. ^ سورة الطلاق، الآية: 2
  28. ^ binbaz.org.sa، ما يجب على من يعود إلى الذنب كلما تاب منه؟، 28/03/2023
  29. ^ islamweb.net، التوبة المقبولة وغير المقبولة، 28/03/2023
  30. ^ سورة النساء، الآية: 18
  31. ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 2703، حديث صحيح.
  32. ^ سورة مريم، الآية: 59
  33. ^ سورة المؤمنون، الآية: 1 - 2
  34. ^ سورة المؤمنون، الآية: 34 - 35
  35. ^ islamweb.net، كيف يتوب تارك الصلاة وكيف يستقيم عليها مع هذه الفتن؟، 28/03/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *