لماذا سميت سورة الصف بهذا الاسم

لماذا سميت سورة الصف بهذا الاسم، القرآن الكريم محفوظ إلى يوم القيامة بحفظ الله تعالى، وقد أوكل الله تعالى البشرية أمانة حفظه والعمل به قلبًا وقالبًا، وكلامه سبحانه لا يأتيه الباطل أبدًا، فجميع ما تضمنه صادقٌ لا كذب فيه؛ كقصص الأقوام السابقة وبما سيحدث في المستقبل أو أحوال الناس الحاضرين، كما أنّ القرآن يشفع لأهله عند الحساب، إذا تمّت تلاوته حقّ التلاوة، فالقرآن الكريم ميسّر الحفظ في الصدور إذا همّ المسلم على حفظه وتدبّره ومعرفة ما فيه من أحكام، ومن الجدير بالذّكر أنّ معرفة أسماء السور وأسباب تسميتها من الأمور التي تُساعد على التدبّر في معاني الآيات القرآنية.

التعريف بسورة الصف

هي السورة التي جاءت بعد سورة الممتحنة وقبل سورة الجمعة في ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الواحدة والستون، ويبلغ عدد آياتها مائة وأربعة عشر آية كريمة، وهي من السور التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى مكة المكرمة، وسورة الصف سورة مدنيّة باتفاق العلماء، وتناولت العديد من الموضوعات التي تخصّ الفرد والمجتمع؛ كالالتزام بالدّين الإسلاميّ والوفاء بالعهود والأقوال والتحذير من إيذاء النبي عليه السلام وبيان جزاء من يعمل صالحًا؛ بأنّ له الجنّة والفوز الكبير.^[1]

لماذا سميت سورة الصف بهذا الاسم

سميت سورة الصف بهذا الاسم لورود لفظ “الصف” في الآية الرابعة من الآية الكريمة، والمقصود منه هو الصف المرصوص من المقاتلين، وورد عن بعض العلماء أنّ للسورة الكريمة اسم آخرٌ وهو “سورة الحواريون”، وورد أيضًا أنّ اسمها “عيسى” كما ذكر الألوسي، ولكن سورة الصف هو الاسم الأشهر والله تعالى أعلم وأحكم.^[2]

ما هو سبب نزول سورة الصف

جاء في كتب التفسير أنّ سورة الصّف بأكملها تحتوي على سبب نزول واحد وهو: سؤال أحد من الصحابة -رضي الله عنه- عن أحبّ الأعمال إلى الله تبارك وتعالى للعمل بها، فأنزل سبحانه قوله: {سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}،^[3] إلى آخر السورة الكريمة، فقرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الآيات إلى آخر السورة، وبيّن أنّ أفضل الأعمال إلى الله تعالى هي الجهاد في سبيل الله بعد الإيمان والتوحيد بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، لكنّ البعض تكاسل عن الجهاد وتراجع عنه، فنزلت أيضًا بعض الآيات التي كانت عتابًا لهم لتقاعسهم عن الأعمال التي تقربهم من الله وتدخلهم الجنة.^[4]

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الجن بهذا الاسم

أين نزلت سورة الصف

نزلت سورة الصف في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، ولكن يرى البعض منهم أنّ سورة الصف نزلت في مكة المكرمة قبل هجرته عليه السلام، وهذا ول الصحابي الجليل عبدالله ابن عباس رضي الله عنه، والراجح هو نزولها في مكة المكرمة ولكنها مدنية في عمومها، وترتيب السورة الكريمة من حيث النزول جاءت بعد نزول سورة التغابن وقبل نزول سورة الجمعة.^[5]

ما هو أجر وثواب قراءة سورة الصف

لا يوجد نصّ صريح من السنة النبوية الشريفة على قراءة سورة الصف بشكل خاصّ، وإنما ورد العديد من النصوص التي تحثّ المسلم على قراءة القرآن الكريم على وجه العموم، لما فيه من الأجر الكبير في الدنيا والآخرة، كما أنّ فيه عمارٌ للنفوس وتهدئة للقلوب وحصول الرفعة في كلا الدّارين، فمعلوم أنّ صاحب القرآن يُذكر اسمه في كلّ مكان، بالإضافة إلى أنّه يُعدّ من أهل الله وخاصّته، وأخيرًا فإنّ الأجر الكبير الذي حصل عليه قارئ القرآن هو مضاعفة الأجر أثناء القراءة؛ فبكلّ حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها والله تبارك وتعالى يُضاعف لمن يشاء.^[6]

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الفيل بهذا الاسم

ما هو فضل سورة الصف

ذكرنا سابقًا أنه لا يوجد نصّ صريح يدلّ على تخصيص الأجر لقراءة سورة الصّف، كما أنّه لا يوجد نصّ يدل على فضل السورة الكريمة، فجميع الآيات القرآنية والأحاديث الواردة في السنة النبوية الشريفة تدل على فضل القرآن الكريم على وجه العموم، وفيما يأتي بيان بعض منها:

• قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.^[7]

• قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.^[8]

• ورد عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا مَرَّ بآيةِ خَوفٍ تَعوَّذَ، وإذا مَرَّ بآيةِ رَحْمةٍ سَأَلَ”.^[9]

• ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ”.^[10]

سورة الصف مكتوبة

سيتمّ فيما يأتي تضمين الآيات الأولى لسورة الصّف بالرّسم المصحف العثماني:^[11]

بسم الله الرحمن الرحيم: “سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”.

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الليل بهذا الاسم

تفسير سورة الصف

جاءت آيات سورة الصف تنزيهًا عن أيّ صفة من صفات النّقص لله تعالى، وضرورة وجوب الوفاء بالأقوال، وبيان أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، بالإضافة إلى التحذير من إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعوة عيسى إلى بني إسرائيل، وبيان عناد أهل الباطل للدعوة الإلهية، وأنّ الذي يكذّب لن يوفقه الله في حياته وغيرها من الموضوعات، حيث بدأت بعتاب الله تعالى للمؤمنين مع فرض الجهاد وإنه من أحبّ الأعمال إلى الله، ومن ثمّ تضمّنت الآيات الكريمة قصص الأنبياء مع بني إسرائيل؛ كقصة موسى -عليه السلام- مع بني إسرائيل، ثمّ تناولت الحديث عن موقف الكافرين من الدّين الإسلامي الحنيف بأكاذيبهم وأقوالهم، وأخيرًا جاءت توصية المؤمنين كافّة بالعمل للدار الآخرة، حيث رسخت معنى الإيمان بالله تعالى والإتيان بالواجبات والبعد عن المنكرات.^[12]

مناسبة سورة الصف لما قبلها

جاءت سورة الصف قبل سورة الممتحنة، فهي مناسبة لها في السياق، حيث تحدثت الآيات الواردة في سورة الممتحنة عن موالاة المشركين والكفار والمنافقين، حيث تقاعس بعض المسلمين عن القتال، ثمّ جاءت سورة الصف لتوبيخهم ومعاتبتهم، ثمّ جاءت سورة الجمعة لتحثّ على العلم كالحث على الجهاد وتوبيخ من لا يعلم ويعمل كالمنافقين.^[13]

ما هي فوائد سورة الصف

سيتمّ فيما يأتي بيان فوائد ومقاصد سورة الصف:^[14]

• التحذير من صفة المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون، ووضّح الله تعالى في محكم تنزيله أنها ليست من صفة المؤمنين.
• الحث على ترابط الأمة الإسلامية وتماسكها كالبنيان المرصوص، والدّعوة إلى وحدة الصف.
• الحث على الجهاد في سبيل الله تعالى وبيان الأجر والثواب المترتب على ذلك في الدنيا والآخرة.
• الالتزام بالواجبات الدّينية، مع الوفاء بالأقوال وعدم الكذب والخداع.
• وجوب الإيمان والتصديق به والتحذير من الرياء.
• ترسيخ العقيدة الإسلامية في النفوس على أن يتفق الظاهر مع الباطن.
• وجوب نصرة الدين الإسلامي ومصاحبة الصالحين فقط.

لماذا سميت سورة الصف بهذا الاسم سؤال أجبنا عليه في هذا المقال، وتبيّن أن السبب الرئيس لتسمية سورة الصف بهذا الاسم هو ورود لفظ الصف في الآية الرابعة منها، وأنّها نزلت لسبب واحد ألا وهو توحيد الصفوف بين المسلمين؛ بالحث على الجهاد والبقاء على الدين الحنيف والتحذير من النفاق وإيذء الرسول عليه السلام وغيرها من الأمور.