عناصر المقال
ما هي شروط التوبة الصادقة، فالإنسان مأمور بالتوبة قبل فوات الأوان، بل وجاءت كثير من الآيات القرآنية الكريمة تنصح المسلم أن يسارع في التوبة إلى الله تعالى قبل أن ياتي وقت لا تنفع فيه التوبة ولا ينفع الإنسان إلّا ما قد قدَّمَ من أعمال، ولكن كيف يتوب الإنسان مما قد سلف منه من ذنوب ومعاصٍ، في هذا المقال سوف تكون هنالك وقفة مع شروط التوبة الصادقة وما يتعلق بالتوبة من مسائل أخرى.
شروط التوبة الصادقة
إنّ شروط التوبة الصادقة تختلف بين أن تكون الحقوق لله تعالى أو تكون الحقوق متعلقة بالعباد، ففي كلّ منها هنالك شروط تختلف من واحدة إلى أخرى، فإنّ الله عزّ وجل ومن رحمته بعباده جعل باب التوبة مفتوحًا أمامهم، وذلك ليستطيعوا أن يعودوا إلى صراط الله القويم، فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.[1]
وكذلك قد أثنى الله جلّ في علاه على التوابين، فقال: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}،[2] وقد جُعل للتوبة شروطٌ مخصوصةٌ لقبولها، وهذه الشروط هي:[3]
- إخلاص النية لله عزّ وجل، بأن يقصد التائب رضا ربّه جلّ في علاه.
- الإقلاع عن الذنب الذي يرتكبه المذنب.
- الشعور بالندم على ما قام به من ذنب.
- المجاهدة على عدم العودة إليه مرة أخرى.
- أن تكون التوبة مبكرة وليست في نهاية الحياة.
- أن تصحب التوبة تخليص الذمم إذا كان الذنب متعلّقًا بالعبد، أمّا إذا كان الذنب بين العبد وربه فإنّ الشروط التوبة السابقة تكفيه بإذن الله.
شاهد أيضًا: الفرق بين التوبة والتوبة النصوح
شروط التوبة من الزنا
إنّ الزنا يعدّ من كبائر الذنوب التي قد يقع فيها المرء، وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز إلى جانب الشرك بالله، وذلك لعظيم هذا الذنب وهذه المعصية، فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}،[4] وقد قال أيضًا جل جلاله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.[1]
ولكن التوبة من هذا الذنب العظيم حتّى تقبل ينبغي أن يتوفّر فيها عدّة شروط، وهذه الشروط هي: الإقلاع عن هذا الذنب العظيم، وحمل النفس على عدم العودة إليه مرة أخرى، والندم على ارتكاب هذا الذنب، فإذا اجتمعت هذه الشروط غفر الله هذا الذنب بإذنه، وعلى التائب الإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة؛ وذلك لأنّ الحسنات يذهبن السيئات، فقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}،[5] والله أعلم.[6]
شروط التوبة التي تنفع صاحبها
إنّ التوبة التي تنفع صاحبها وتكسبه عفو الله عزّ وجل ورضاه لها شروط معيّنة، وهذه الشروط هي أن يقلع المرء عن المعصية أو الذنب الذي يرتكبه، وأن يندم على ما فعله، وأن يعاهد الله تعالى على عدم العودة إليه مرّة أخرى، وأن تكون التوبة قبل الوصول إلى لحظة خروج الروح وبلوغ الغرغرة، فإذا اجتمعت هذه الشروط قبل الله توبة عبده بإذنه.[3]
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ ۚ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}،[1] وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}،[2] فليبادر كل ذي ذنب إلى التوبة فأبواب الله تعالى مفتوحة لعباده.[3]
شاهد أيضًا: كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد
شروط التوبة من الكبائر
إنّ التوبة تمحو الكبائر وتغفرها، فقد قال الله عزّ وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}،[7] كما قال جلّ في علاه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}،[8] وقال النبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام: “التائبُ من الذَّنبِ كمنْ لا ذنبَ له”.[9]
ولكنّ هذه التوبة لتمحو هذه الكبيرة ينبغي أن يتوفّر بها عدّة شروط، وهذه الشروط هي: الندم على هذه الكبيرة التي وقعت من العبد، وأن يقلع المذنب عن فعل هذه الكبيرة وذلك خوفًا من الله تعالى وتعظيمًا لقدره، وأن يعاهد نفسه ويجبرها على عدم العودة لهذا الذنب واقترافه مرة ثانية، وأن يعيد الحق لأصحابه إذا ما كان الذنب متعلّقًا بالعباد، كالسرقة والقتل مثلًا، فإذا توفّرت الشروط السابقة في التوبة من الكبائر محا الله هذه الكبيرة بإذن الله تعالى.[10]
هل البكاء من شروط التوبة
إنّ البكاء خوفًا من الله وخوفًا من سخطه وعقابه هو من الأمور المحببة التي أثنى عليها الله عزّ وجل في كتابه حيث يقول تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}،[11] وقال تعالى في سورة أخرى: {أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}.[12]
وكذلك قد جاء في الحديث الصحيح عنرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “عينانِ لا تمسَّهُما النارُ أبدًا : عينٌ بكتْ منْ خشيةِ اللهِ، و عينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ اللهِ”،[13] وقال عليه وآله الصلاة والسلام في حديث آخر: “لا يلِجُ النارَ رجلٌ بكى من خشيةِ اللهِ حتى يعودَ اللبَنُ في الضَّرعِ ، ولا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ اللهِ ودخانُ جهنَّمَ”،[14] وفيما سبق دليل على استحباب البكاء خوفًا من الله عزّ وجل، ولكن التوبة لها شروط أساسية ينبغي أن تتوفّر بها، وهذه الشروط هي الندم على الذنب، والإقلاع عن فعله، وعدم العودة إليه مرة أخرى، وتبرئة الذمة إذا كان ذنبًا متعلّقًا بالعباد، فإذا توفّرت هذه الشروط قبلت التوبة من العبد، فالبكاء ليس بين هذه الشروط، وعليه فليس البكاء شرطًا من شروط التوبة.[15]
شاهد أيضًا: كيف تثبت على التوبة ، كيفية التوبة من الذنب وعدم الرجوع إليه
كيفية التوبة النصوح من تكرار المعصية
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “كُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوابونَ”،[16] إنّ الإنسان ليس معصومًا من الخطأ، فالعصمة للأنبياء فقط، فقد يقع المرء في المحظورات إذا ما ضعفت نفسه في بعض الأوقات، ولكن ما ينبغي للمرء أن يفعله في هذه الحال هو المسارعة إلى التوبة واستغفار الله تعالى على ما بدر منه من ذنب، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.[2]
فالله يحبّ عبده إذا ما عاد إليه تائبًا بعد الذنب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ”،[17] ولكن ينبغي أن يكون المرء عند التوبة قد عاهد نفسه على عدم العودة للذنب، أما إن تاب واستغفر على ذنبه وهو يكرره دون أن يتوقّف فإنّ ذلك قد يدخل في باب الاستهزاء بالتوبة والعياذ بالله، والله أعلم.[18]
ما هي الحالات التي لا تقبل فيها التوبة
إنّ التوبة التي لا يقبلها الله تعالى هي التوبة التي يختلّ فيها أحد شروط التوبة الرئيسة، من الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، وجهاد النفس على عدم معاودته، أو إذا كانت التوبة في غير وقتها المخصص، بأن يتوب المرء وهو على فراش الموت حين تصل نفسه إلى الغرغرة، فهنا لا تقبل توبته، فقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}.[19]
وكذلك أيضًا تردّ التوبة إذا كانت بعد طلوع الشمس من مغربها، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنّه قال: “مَن تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عليه”،[20] وبهذا أخرج من تاب بعد طلوع الشمس من مغربها.[21]
شاهد أيضًا: متى تظهر نتائج الاستغفار ، أهم فوائد الاستغفار للمسلم
متى لا يقبل الله توبة العبد
لقد خصّ الله عزّ وجل أوقاتًا لا تقبل فيها توبة العبد، وهما وقتان هما:[21]
- إذا بلغت الروح الحلقوم ودنا أجل الإنسان لم تقبل توبته، وذلك لأنّ التوبة ينبغي أن تكون قبل دنو الأجل، وذلك لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}.[19]
- إذا طلعت الشمس من مغربها، وهي إحدى علامات يوم القيامة، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنّه قال: “مَن تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا، تَابَ اللهُ عليه”.[20]
وبهذا يكون قد تم مقال شروط التوبة الصادقة بعد الوقوف على شروط التوبة الصادقة وكيف يمكن للمسلم أن يتوب توبة صادقة، إضافة للوقوف على الأوقات التي لا يقبل الله تعالى فيها التوبة من العباد، وغير ذلك من معلومات تتعلق بالتوبة وشروطها وغيرها.
المراجع
- ^ سورة الزمر، الآية: 53 - 54
- ^ سورة البقرة، الآية: 222
- ^ islamweb.net، خمسة شروط للتوبة الصادقة، 30/03/2023
- ^ سورة الفرقان، الآية: 68 - 69
- ^ سورة هود، الآية: 114
- ^ islamweb.net، شروط التوبة من الزنا، 30/03/2023
- ^ سورة النور، الآية: 31
- ^ سورة الفرقان، الآية: 68 - 71
- ^ شرح كتاب الشهاب، أبو سعيد الأنصاري، السفاريني الحنبلي، 261، حديث إسناده حسن.
- ^ binbaz.org.sa، هل التوبة تكفر الكبائر؟، 30/03/2023
- ^ سورة الإسراء، الآية: 106 - 109
- ^ سورة النجم، الآية: 59 - 62
- ^ الجامع الصغير، أنس بن مالك، السيوطي، 5629، حديث صحيح.
- ^ سنن الترمذي، أبو هريرة، الترمذي، 1633، حديث حسن صحيح.
- ^ islamweb.net، هل تقبل توبة من وقع في فاحشة بدون بكاء، 30/03/2023
- ^ المستدرك على الصحيحين، أنس بن مالك، الحاكم، 7826، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 2749، حديث صحيح.
- ^ islamweb.net، كيفية التوبة النصوح من تكرار المعصية، 30/03/2023
- ^ سورة النساء، الآية: 18
- ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 2703، حديث صحيح.
- ^ islamweb.net، التوبة المقبولة وغير المقبولة، 30/03/2023
التعليقات