عناصر المقال
متى تظهر نتائج الاستغفار ، أهم فوائد الاستغفار للمسلم، هذا السؤال لا بدّ وأن يخطر على بال المسلم الذي يستغفر ربه ويتوب إليه باستمرار من المعاصي أو الذنوب أو نحوها، فللمعاصي أمارات تدل على صاحبها، ولذلك فإنّ المسلم مطالب بالاستغفار والتوبة من الذنوب والمعاصي التي تبعده عن طريق الحق وهو صراط الله تعالى المستقيم، وفي هذا المقال سوف يكون هنالك إجابة عن السؤال المذكور آنفًا، بالإضافة للوقوف على بعض الأمور المتعلقة بالاستغفار.
متى تظهر نتائج الاستغفار
إنّ نتائج الاستغفار لا يعلم أحد يقينًا متى تظهر، ولكنّ المستغفر الذي يستغفر ربّه -سبحانه وتعالى- ويرجوه فإنّ الله تعالى سيجزيه خير ما يجزي ربٌّ عبدَه، وذلك إن كان صادقًا في استغفاره وتوبته، وربما تكون نتائج الاستغفار تظهر فورًا كما يحدث لكثير من المسلمين الذين تنزل بهم مصيبة أو نحوها فيستغفرون الله تعالى فينكشف عنهم ما هم فيه، فيُروى عن أحد السلف الصالح أنّه قد تسلّط عليه سفيه وهو ماشٍ في الطريق، فجعل السفيه يسبّه، فدخل الرجل الصالح إلى بيته وغاب قليلًا ثمّ خرج، فوجد السفيه قد ولّى، فقيل له لمَ تركته يسبّك ودخلت إلى بيتك؟ فقال: دخلتُ أستغفر ربّي لأنّ السفيه ما تسلّط عليّ إلّا بذنب قد أحدثته.
شاهد أيضًا: كيفية الاستغفار في الأسحار وفضله
فضل المداومة على الاستغفار
لقد عدّ أهل العلم كثيرًا من الفضائل والفوائد لمن لزم الاستغفار في حياته وداوم على ذلك، وتلك الفوائد مستفادة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على ذلك، ومن تلك الفضائل ما يأتي:
- تنقية القلب وتطهيره: فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةُ نُكِتتْ في قلبهِ نُكتةً سوداءَ فإذا هو نزعَ واستغفرَ وتابَ سُقلَ قلبهُ وإن عادَ زيدَ فيها حتى تعلو قلبهُ وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ كَلّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”.[1]
- المغفرة من الله تعالى: وذلك كما وعد الله تعالى عباده في الآيات القرآنية والأحاديث القدسية، ومنها: قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}،[2] وقوله في الحديث القدسي: “يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا”.[3]
- الفوز يوم القيامة: ففي الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “طوبى لمن وجدَ في صحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا”،[4] ويقول في حديث آخر: “مَنْ أحبَّ أنْ تسرَّهُ صحيفتُهُ، فليُكْثِرْ فيها مِنَ الاسْتغفارِ”.[5]
- النجاة من النار: فقد دلّت كثير من الأحاديث النبوية على أنّ الاستغفار سبب من أسباب النجاة من النار، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ”،[6] وفي حديث آخر تسأله أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: “يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ”.[7]
- سبب لرحمة الله تعالى: فيقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.[8]
- سبب لدخول الجنة: فيقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.[9]
- سبب لرفع الدرجات: ففي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم- في استغفار الولد لأبيه: “إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ليَرفَعُ الدَّرجةَ للعبدِ الصَّالحِ في الجَنَّةِ فيقولُ يا ربِّ أنَّى لي هذه فيقولُ باستغفارِ ولدِك لك”.[10]
- سبب لسعة الرزق وكثرة المال ونزول المطر: وكثيرًا ما وردت الآيات القرآنية مؤيدة لهذا الأمر، ومنها قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}،[11] وقوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}،[12] وقوله: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}.[13]
- سبب لكثرة الولد: وهذا مُستفاد أيضًا من قوله -تعالى- في الآيات السابقة من سورة نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.[12]
- سبب لدفع عذاب الله تعالى: وقد ذكر الله تعالى هذا الأمر صراحة في القرآن الكريم وذلك في قوله جلّ وعلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.[14]
- سبب للنصر على الأعداء: وذلك كما قال تعالى في قرآنه الكريم: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[15]
شاهد أيضًا: دعاء التوبة والاستغفار من الذنوب والمعاصي
فائدة الاستغفار عند النوم
لقد ورد في فضل الاستغفار قبل النوم غير حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن تلك الأحاديث الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من قالَ حينَ يأوي إلى فراشهِ أستغفرُ اللَّهَ الَّذي لا إلهَ إلَّا هوَ الحيَّ القيُّومَ وأتوبُ إليهِ ثلاثَ مرَّاتٍ غفرَ اللَّهُ له ذنوبَهُ وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ أو عددَ رملِ عالجٍ أو عددَ ورقِ الشَّجرِ أو عددَ أيَّامِ الدُّنيا”.[16]
وكذلك في حديث سيد الاستغفار المشهور يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ. قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ”.[17]
عجائب الاستغفار
كثيرة هي القصص العجيبة التي تحدث بسبب الاستغفار، ولكن في هذه الفقرة سوف تكون هنالك وقفة مع قصّة حقيقية معاصرة حدثت في إحدى الدول العربية، يقول صاحب القصة إنّه تعرّض للظلم والسجن ظلمًا في إحدى الدول، ولكنّه كان ممن أدمن الاستغفار حتى صار عادة عنده، فكان في كلّ يوم له في السجن يستغفر آلاف المرات، ولم تمضِ إلّا مدّة يسيرة حتى أخلي سبيله من السجن ببراءته من التهمة الظالمة التي كانت موجهة له.
وعند خروجه من السجن تواصل معه رجل لم يكن يعرفه سابقًا، ولكنّه رجل من أهل الخير حين علم بقصته أرسل وراءه ومدّ له يد المساعدة بمبلغ كبير من المال، وأعاد هذا الرجل الثري الكرّة مرّة أخرى بعد مدة من الزمن، ولم يكن هنالك ما يستدعي كلّ هذا الكرم غير أنّ الرجل لازم الاستغفار وداوم عليه، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللهُ له مِن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ومِن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورَزَقَه مِن حيثُ لا يَحتَسِبُ”.[18]
شاهد أيضًا: كيف اقوي يقيني باستجابة الدعاء
الاستغفار وقوة الشخصية
إنّ الاستغفار يزيد في قوة المؤمن، يزيد المؤمن قوة تتمثّل في إيمانه الذي يهزم أقوى الجبابرة به، ويزيد المؤمن قوة في الجسم كذلك كما ورد في الآيات الكريمة، ففي سورة هود يقول تعالى على لسان نبيّه هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}،[13] فقال جمع كبير من المفسرين إنّ القوة هنا هي القوة البدنية، ومنهم الإمام الطبري الذي قال: “قال ابن زيد في قوله: (ويزدكم قوة إلى قوّتكم)، قال: جعل لهم قوة، فلو أنهم أطاعوه زادهم قوة إلى قوتهم. وذكر لنا أنه إنما قيل لهم: (ويزدكم قوة إلى قوتكم)، قال: إنه قد كان انقطع النسل عنهم سنين، فقال هود لهم: إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد، لأن ذلك من القوة”.
فوائد الاستغفار 1000 مرة
لم يثبت في الشريعة الإسلامية ربط الاستغفار بـ 1000 مرة في اليوم، ولكن الاستغفار كلّه خير وكلّه مظنّة لحصول الفرج والرزق الواسع وغيره مما مرّ آنفًا من فضائل الاستغفار المأخوذة عن الكتاب والسنة، وأمّا ما يدور من أقوال حول هذا العدد بالتحديد فأكثره غير صحيح إلا ما كان منقولًا عن الصالحين من خلال التجربة والمشاهدة الشخصية، وأمّا الأحاديث النبوية فلم يصحّ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- شيء منها، والله أعلم.
فوائد الاستغفار للعقل
لم يرد في صريح الآيات والأحاديث التي تناولت فضل الاستغفار أنّه يفيد العقل، ولكن الذي يطلع على الفوائد المذكورة آنفًا في المقال حول فضائل الاستغفار يجد أنّ الاستغفار يفيد العقل ويُكسِب المرء الحكمة التي هي من أهمّ النعم التي يمكن أن يؤتاها المسلم، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}،[19] ولذا فإنّ للاستغفار فوائد لا تُحصى على المسلم، ومهما حاول الإنسان إحصاء الفوائد التي يأتي بها الاستغفار فإنّه سيظلّ مقصّرًا عن الإحاطة بها كونها من لدن حليم خبير.
عدد مرات الاستغفار لقضاء الحاجة
لم يُذكر تقييد قضاء الحاجة بعدد معين من الاستغفار، ولكن الأمر جاء بالاستغفار في أحاديث كثيرة مرويّة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وفي الآيات القرآنية الكثيرة، ومن ذلك ما ورد في حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- إذ قال: “عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أنَّهُ كانَ يَدْعُو بهذا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ”.[20]
فقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يدعو ويستغفر ويأمر الصحابة بذلك من دون أن يقول إنّ الاستغفار بهذا القدر سيؤدي إلى قضاء الحاجة ونحو ذلك، ولكنّه كان يأمر بالاستغفار مع الصدق والتوبة وبعدها سيكون قضاء الحوائج بإذن الله تعالى، فالعلاقة بين المسلم والاستغفار ينبغي لها أن تكون علاقة صادقة تقوم بين العبد وربه، ولذلك ستكون نهايتها رضا الله تعالى وقضاءه للحوائج، والله أعلم.
شاهد أيضًا: أذكار تجلب الرزق ، بعض الأذكار للرزق والفرج
سيد الاستغفار
إنّ سيّد الاستغفار هو دعاء علّمه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- للصحابة وللأمّة كي يقولوه مرتين كل يوم على الأقل، وقال إنّ من قال مصبحًا فمات قبل الليل فهو في الجنة، ومن قاله ليلًا فمات قبل الصباح فهو في الجنة بإذن الله، وسيد الاستغفار هو:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ. قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ”.[17]
وبهذا يكون قد تم مقال متى تظهر نتائج الاستغفار بعد الوقوف على جواب هذه المسألة، وبعد الوقوف على بعض الفوائد المختارة مما استنتجه العلماء عن الاستغفار وغير ذلك مما مرّ في هذا المقال.
المراجع
- ^ الجامع الصغير، أبو هريرة، السيوطي، 2064، حديث صحيح.
- ^ سورة طه، الآية: 82
- ^ صحيح مسلم، أبو ذر الغفاري، مسلم، 2577، حديث صحيح.
- ^ البدور السافرة، عبد الله بن بسر، السيوطي، 238، حديث صحيح.
- ^ الجامع الصغير، الزبير بن العوام، السيوطي، 8303، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، عبد الله بن عمر، مسلم، 79، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين، مسلم، 214، حديث صحيح.
- ^ سورة النمل، الآية: 46
- ^ سورة آل عمران، الآية: 135 - 136
- ^ مجمع الزوائد، أبو هريرة، الهيثمي، 10/213، حديث رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وقد وثق.
- ^ سورة هود، الآية: 3
- ^ سورة نوح، الآية: 10 - 12
- ^ سورة هود، الآية: 52
- ^ سورة الأنفال، الآية: 33
- ^ سورة آل عمران، الآية: 146 - 148
- ^ هداية الرواة، أبو سعيد الخدري، ابن حجر العسقلاني، 2/475، حديث حسن كما ابن حجر قال في المقدمة.
- ^ صحيح البخاري، شداد بن أوس، البخاري، 6306، حديث صحيح.
- ^ الأحكام الوسطى، عبد الله بن عباس، عبد الحق الإشبيلي، 4/317، سكت المحدث عن هذا الحديث، وقد قالَ في المقدمة: وإن لم تكن فيه علة كانَ سكوتي عنه دليلا على صحته.
- ^ سورة البقرة، الآية: 269
- ^ صحيح مسلم، أبو موسى الأشعري، مسلم، 2719، حديث صحيح.
التعليقات