هل يجوز أن يضحي الابن عن أبيه المتوفى

هل يجوز الذبح عن روح الميت

اتفق العلماء على أنّ الأضحية لا تجب عن الميت إن لم يوصِ بها، واختلفوا في صحة الأضحية وقبولها إذا ما كانت قد ذبحت عن الميت بغير وصية أو نذر، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج أقوال العلماء الثلاثة في تلك المسالة:^[6]

• القول الأول: إنَّ الأضحية تصح عن الميت ويصل ثوابها إليه بإذن الله تعالى، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء، ويؤكد هذا القول أنَّ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يضحي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين، وكان يقول إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قد أمره بهذا.
• القول الثاني: ويرى أصحاب هذا الرأي أنَّ الأضحية لا تصح عن الميت إلا إذا أوصى بها، وقد ذهب الشافعية إلى هذا القول، وقد أوردَ الإمام النووي في المنهاج -رحمه الله- في تلك المسألة: “ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوصِ بها”.
• القول الثالث: ويرى أصحاب هذا الرأي أنَّ الأضحية مكروهة عن الميت دون وصية، ومما يدل على هذا قول الإمام خليل في مختصره -رحمه الله- في ذكر مكروهات الأضحية: “وكره جز صوفها، وفعلها عن ميت”.

حكم الأضحية عن الميت ابن باز

عرفنا هل يجوز الأضحية عن والدي المتوفى عمومًا، وسوف نبين قول ابن باز في ذلك، فقد بين الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنه يجوز التضحية عن الميت؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى عنه وعن أهل بيته ولم يفرق بين الحي والميت، وهو أمر مشروع لما فيه من الصدقة والإحسان والتقرب إلى الله، كما قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تعقيبه على هذه المسألة الفقهية:^[7]

“أما الأضحية عن الميت، فإن كان أوصى بها في ثلث ماله مثلًا، أو جعلها في وقف له، وجب على القائم على الوقف أو الوصية تنفيذها، وإن لم يكن أوصى بها، ولا جعل لها وقفا، وأحب إنسان أن يضحي عن أبيه أو أمه أو غيرهما، فهو حسن، ويعتبر هذا من أنواع الصدقة عن الميت، والصدقة عنه مشروعة في قول أهل السنة والجماعة، وأما الصدقة بثمن الأضحية؛ بناء على أنه أفضل من ذبحها، فإن كانت الأضحية منصوصًا عليها في الوقف أو الوصية، لم يجز للوكيل العدول عن ذلك إلى الصدقة بثمنها، أما إن كانت تطوعًا عن غيره، فالأمر في ذلك واسع”.

هل يجوز الأكل من الأضحية عن الميت

اختلفت المذاهب الفقهية في حكم الأكل من الأضحية عن الميّت؛ فقد ذهب كل من الحنفية والشافعية إلى عدم الجواز، وقالوا بوجوب التصدّق بها كاملةً، فقد قَالَ القفَّال في نهاية المحتاج: “وَمَتَى جَوَّزْنَا التَّضْحِيَةَ عَنْ الْمَيِّتِ ، لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَحَدٍ ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهَا ، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ ، فَتَوَقَّفَ جَوَازُ الْأَكْلِ عَلَى إذْنِهِ ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ، فَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ”، بينما ذهب فقهاء المالكية والحنابلة إلى جواز الأكل منها^[8]، والراجح أنَّه يجوز للمسلم الأكل من الأضحية عن الميت كما لو كانت عن الحي، فهذا ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يجوز للمضحي أن يأكل ثلث الأضحية، ويتصدق بالثلث للفقراء، ويهدي الثلث إلى الأقرباء والأصدقاء^[9]، فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: ” إذا ضَحَّى أحدُكم فليَأكُلْ مِن أُضْحيَّتِه”^[10].

أيهما أفضل الأضحية أم الصدقة للميت

بيَّن الفقهاء بأنَّ الأضحية أفضل من الصَّدقة، والصَّدقة لا تحلُّ محل الأضحية، وعند قيام المسلم باستبدال الأضحية بالصَّدقة يكون قد ابتعد عن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الصدقة أفضل لقام بذلك الفعل وأمر أصحابه من بعده أن يقوموا بذلك، ولكنه أمر عليًا أن يضحي عنه بعد وفاته، ومن الأقوال التي وردت في أن الأضحية أفضل سيتم إدراجها فيما يأتي:^[11]

• قول شيخ الإسلام ابن تيمية: “والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك فإذا كان معه مال يريد التقرب إلى الله كان له أن يضحي به والأكل من الأضحية أفضل من الصدقة”.

• قول الحافظ ابن عبد البر: “الضحية عندنا أفضل من الصدقة لأن الأضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله”.

• قول الإمام النووي: “مذهبنا أن الأضحية أفضل من صدقة التطوع للأحاديث الصحيحة المشهورة في فضل الأضحية ولأنها مختلف في وجوبها بخلاف صدقة التطوع، ولأن الأضحية شعار ظاهر”.

دعاء ذبح الأضحية عن الميت

إن دعاء ذبح الأضحية عن الميت هو الدعاء المستحب عند ذبح الأضحية عن الحي، فاقتداءً بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفضل أنَّ يقول المسلم عند ذبح الأضحية: “بسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ، اللهم هذا منك ولك” أو قول ” بسم الله والله أكبر”^[12]، ففي الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: “شَهدتُ معَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلم الأضحى بالمصلَّى فلمَّا قضى خطبتَهُ نزلَ عن منبرِهِ فأتى بِكبشٍ فذبحَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بيدِهِ وقالَ بسمِ اللَّهِ ، واللَّهُ أَكبرُ ، هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي”^[13].

شروط الأضحية عن الميت

هناك مجموعة من الشّروط التي لا بدَّ من مراعاتها لتكون الأضحية صحيحة ومقبولة بإذن الله تعالى، وهذه الشروط هي ذاتها لأضحية الميت والحي، وتتمثل هذه الشروط على النحو الآتي:^[14]

• أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والأغنام.
• أن تكون الأضحية قد بلغت السن المحدد شرعاً وهي في الإبل: خمس سنوات، وفي البقر: سنتان، وفي الماعز: سنة واحدة، وفي الضأن: نصف سنة، والدليل على ذلك ما ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أنْ يَعْسُرَ علَيْكُم، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ”^[15].
• أن تكون الأضحية سليمةً من العيوب المانعة من الإجزاء، وقد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الوارد عن البراء بن عازب رضي الله عنه: “سألتُ البراءَ بنَ عازبٍ ما لا يجوزُ في الأضاحيِّ فقالَ قامَ فينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأصابعي أقصرُ من أصابعِه وأناملي أقصرُ من أناملِه فقالَ أربعٌ لا تجوزُ في الأضاحيِّ فقالَ العوراءُ بيِّنٌ عورُها والمريضةُ بيِّنٌ مرضُها والعرجاءُ بيِّنٌ ظلعُها والكسيرُ الَّتي لا تَنقى قالَ قلتُ فإنِّي أكرَه أن يَكونَ في السِّنِّ نقصٌ قالَ ما كرِهتَ فدعهُ ولا تحرِّمهُ علَى أحدٍ”^[16].
• أن تؤدى الأضحية في وقتها، أي من بعد صلاة عيد الأضحى المبارك إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد اتفق الفقهاء على أنّ من ذبح بعد انتهاء هذه المدة لا أضحية له.
• يشترط على المضحي أن ينوي بالأضحية، وقد اتفق جمهور العلماء على ذلك، لأنَّ الأعمال جميعها بحاجة إلى نية، بحيث يكون الذبح قربة إلى الله تعالى.

هل يجوز التضحية عن الغير

لا يجوز أن يضحي الشخص عن غيره بغير إذنه، إلا إذا ضحى عن أهل بيته^[17]، فقد قال الإمام النووي -رحمه الله- في المنهاج: “ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها”، ولكن يجوز للمسلم أن  يشرك الغير في ثواب الأضحية فقد ضحّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمّته وأهل بيته^[18]، ففي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كانَ إذا أرادَ أن يضحِّيَ، اشتَرى كبشينِ عظيمينِ، سَمينينِ، أقرَنَيْنِ، أملَحينِ موجوءَينِ، فذبحَ أحدَهُما عن أمَّتِهِ، لمن شَهِدَ للَّهِ، بالتَّوحيدِ، وشَهِدَ لَهُ بالبلاغِ، وذبحَ الآخرَ عن محمَّدٍ، وعن آلِ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ”^[19]، والله تعالى أعلم.

حكم الأضحية عن الميت ابن عثيمين

أشار الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى إلى جواز الأضحية عن الميت، وبين أنه لا مانع من ذلك، ولكن أكد أنه ليس مشروعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك من سنته، ولكن إذا أراد أحد أن يضحي أحد عن والده الميت أو أمه المتوفاة فلا حرج من ذلك ولا يمنع من ذلك، حيث إن الإمام ابن عثيمين يفضل اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، وقد بين ذلك بقوله:^[20]

“نعم يجوز الأضحية على الميت ، بمعنى أن يضحي الإنسان في أيام النحر أي في عيد الأضى وثلاثة أيام من بعده أضحية ينويها عن الميت ، يقول مثلاً عند ذبحها : اللهم هذا منك ولك ، اللهم هذه عن فلان، ولكن ليس هذا بأمر مشروع ، ليس هذا بأمر مشروع لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن أحد من أمواته ، فقد ماتت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي من أحب النساء إليه ولم يضحي لها ، واستشهد عمه حمزة ابن عبد المطلب في أحد ولم يضحي عنه ، ومات له ثلاث بنات في حياته ولم يضحي عنهن، ولو كان هذا أمراً مشروعاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم إما بقوله وإما بفعله وإمام بإقراره، ولم نعلم أن أحداً من الصحابة ضحى عن أحد من أمواته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم”.