عناصر المقال
هل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع هو ما سيبيّن حكمه في هذا المقال، يُعتبر الخُلْع من طرق فسخ عقد الزَّواج، ومعناه الطلاق على مال؛ بحيث تدفع الزَّوجة إلى زوجها مالاً من أجل مفارقتها بالطّلاق، وذلك لعدة أسباب، فقد تكون تضررت من زوجها ولم تقدر على الطلاق منه، أو خافت ألا تقيم حدود الله -تعالى- أو تؤدي واجباتها الشّرعية، ومن هذا المنطلق ومن خلال سطورنا التالية سيتم بيان الحكم الشرعي لرجوع الزوجين بعد الخلع، والتطرق لمفهوم الخلع وحكمه في الإسلام.
ما هو الخلع
قبل الخوض في بيان هل يجُوز رجوع الزَّوجين بعد الخُلْع، سيتمّ تعريف الخُلْع في الشَِّريعة الإسلاميّة، فهو يُعدّ من طرق إنهاء الحياة الزوجيّة، وفرع من فروع الطلاق، ولكنه يختلف عن الطّلاق لأن الخلع يتمثَّل بطلب الطلاق من قبل الزوجة، أي أنه لا يكون من قبل الزَّوج، بحيث تقوم الزوجة بطلب الطلاق من زوجها مُقابل أن تقدم له تعويض يُحدد بناء على السلطة التقديريَّة للمحكمة، وهذا التعويض إما يكون منها، أو من عائلتها [1]، فقد حدث في عهد النبي -صلى اللّٰه عليه وسلم- أنّ إحدى النساء اختلعت من زوجها، فقد ورد عن امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ أتتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَت : يا رسولَ اللَّهِ ! ثابتُ بنُ قيسٍ ، أما إنِّي ما أعيبُ عليهِ في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولَكِنِّي أكْرَهُ الكُفرَ في الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : أتردِّينَ عليهِ حديقتَهُ ؟ قالَت : نعَم قالَ رسولُ اللَّهِ : اقبَلِ الحديقةَ وطلِّقها تَطليقةً”[2]، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الخلع سميَّ بهذا الاسم؛ لأن الزَّوجة هي من تطلب خلع نفسها من الزَّوج، بحيث تتنازل له عن كل شيء مُقابل أن يُطلقها، وقد يُسمى الخُلْع أيضًا بالافتداء.
حكم الخلع في الإسلام
أباحت الشريعة الإسلامية للزوجة طلب الخلع في العديد من الحالات [3]؛ كسوء المعاملة، أو في حال الكره بحيث لا تستطع إكمال حياتها الزوجية مع الزّوج، ومن الآيات الدَّالة على إباحة الخُلْع قوله -تعالى- في محكم تنزيله:”الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”[4]، ولكن يُحرم الخلع في الشَّريعة الإسلاميَّة في حال لم تكن الزَّوجة على حق، أو دون مسوغ شرعيّ، أو عذر مقبول، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “أيُّما امرأةٍ سألت زَوجَها الطَّلاقَ مِن غيرِ بأسٍ فحرامٌ علَيها رائحةُ الجنَّةِ”[5].
هل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع
في الإجابة على هلْ يجُوز رجوع الزَّوجين بعد الخُلْع، بينّت الشريعة الإسلامية بأنّه يجوز رجوع الزَّوجين بعد الخُلْع إذا كان واقع بمجرد طلقة واحدة، بحيث يطلق عليه طلاق بائن بينونة صغرى، ولكن بشرط وجود عقد ومهر جديدين، أمَّا إذا كان الخُلْع بعد ثلاث طلقات فهنا يؤخذ بحكم الطلاق البائن بينونة كبرى، بحيث لا يجوز في هذه الحالة رجوع الزوجين إلا بتوفر بعض الشروط ومنها، أن تتزوج الزوجة بزوج آخر زواج صحيح وإذا انتهى بالطلاق بين الزوجين، يجوز للزوجين السابقين الرجوع بعد انقضاء العدة الواجبة، ولكن يلزم للرُّجوع عقد ومهر جديدين، فقد قال البجيرمي الشافعي في “تحفة الحبيب على شرح الخطيب“: (وتملك المرأة) المختلعة (به نفسها)، أي: بضعها الذي استخلصته بالعوض، (ولا رجعة له عليها) في العدة؛ لانقطاع سلطنته عليها بالبينونة المانعة من تسلطه على بضعها (إلا بنكاح)، أي: بعقد (جديد) عليها، بأركانه، وشروطه المتقدم بيانها في موضعه”.[6]
هل يجوز للقاضي خلع الزوج دون رضاه
قد أوضحنا سابقًا الإجابة الصحيحة حول سؤال هلْ يجُوز رجوع الزَّوجين بعد الخُلْع، أمّا هُنا فسنبيّن هل يجوز للقاضي خلع الزوج دون رضاه، رجّح بعض أهل العلم بأنه يجوز للقاضي خلع الزوج دون رضاه، وهو الرأي الذي رجَّحه كل من الشيخ ابن باز وابن عثيمين -رحمهما الله- إذا كانت الزَّوجة قد تضررت من البقاء مع زوجها ويمتنع الزَّوج عن مخالعتها، بحيث في هذه الحالة يجوز للقاضي أن يحكُم بالخُلْع حتى لو لم يرضى الزّوج بذلك، ولكن تُعدّ مسألة خلاف بين العلماء فقد ذهب أكثرهم لعدم جواز الخٌلْع دون رضا الزَّوج، أمّا البعض الآخر فقد أجاز ذلك، فقد بيّن الشيخ ابن باز -رحمه الله- بأنّه يجوز التفريق بين المرأة وزوجها من خلال الخلع إذا دفعت إليه جهازه لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه، وكان بينه وبينها حديقة فردتها إليه [7]، ومن الجدير بالذّكر أنه يجوز الخلع دون موافقة الزوج إذا كانت المرأة لا تستطيع البقاء على عصمته بسبب العديد من الأضرار الذي أوقعها بها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”[8]، حيثُ إنّ الشّريعة الاسلاميَّة جاءت من أجل تصليح المصالح وتعطيل المفاسد، وبقاء هذه المرأة في عصمة الرجل تعتبر من المفاسد التي يجب إصلاحها، فإذا امتنع الزذَوج عن الحضور إلى المحكمة من أجل قبول الخلع يستطيع الحاكم أن يفسخها من عصمته.
هل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع عند الشيعة
بيّن فقهاء وعلماء الطائفة الشّيعيَّة بأنَّه يجوز رجوع الزوجين بعد الخُلْع إذا كان بينهما طلقة واحدة، ويتم الرجوع من خلال العقد عليها أثناء العدة من قبل الزَّوج، ولكن إذا وقع بين الزّوجين ثلاث طلقات حرمت المطلَّقة على المطلِّق حتّى تنكح زوجاً غيره[9]، حيث أوضح السيد السيستاني بأنّ طلاق الخلع يكون بائن ولا يقع فيه الرَّجوع ما لم ترجع المرأة فيما بذلت، حيثُ تسطيع الرجوع فيه ما دامت في العدّة فإذا رجعت ولو في بعض ما بذلته كان له الرجوع إليها، وأضاف على ذلك: “يشترط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها، فلو لم يجز له الرجوع بأن كان الخلع طلاقاً بائناً في نفسه ككونه طلاقاً ثالثاً، أو كانت الزوجة ممّن لا عدّة لها كاليائسة وغير المدخول بها، أو كان الزوج قد تزوّج بأُختها أو برابعة قبل رجوعها بالبذل، أو نحو ذلك لم يكن لها الرجوع فيما بذلت، وهكذا الحال فيما لو لم يعلم الزوج برجوعها في الفدية حتّى فات زمان الرجوع، كما لو رجعت عند نفسها ولم يطّلع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة فإنّه لا أثر لرجوعها حينئذٍ”.[10]
حقوق الزوج إذا طلبت الزوجة الخلع
أجبنا في مستهلّ مقالنا عن هلْ يجُوز رجوع الزَّوجين بعد الخُلْع، فقد بَّين أهل العلم بأنّ هناك حق للزوج ينبغي على الزوجة الإتيان به إذا أرادت الخُلْع، وذلك اقتداءً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ ينبغي على الزَّوجة عند الاتجاه إلى الطَّلاق الخُلْعي أنْ تدفع إلى زوجها مالاً من أجل مفارقتها بالطّلاق، ويكون من خلال إرجاع المهر، أو أي مبلغ يتم الاتفاق عليه سواء كان أكثر أو أقل من المهر يكون عوضًا في الخلع[11]، ومن الجدير بالذّكر أنّ دفع المرأة لزوجها أكثر من المهر فيه خلاف، فقد أوضح كل من الممالكيَّة والشّافعية بجواز أخذ الزوج عوض من امرأته مقابل فراقها له، سواء كان العوض مساوي لما أعطاها إياه أو أقل ما دام الطّرفان متراضيان، أمّا الحنابلة فقد ذهبوا إلى أن الزّوج لا يستحب له أن يأخذ أكثر مما أعطاها، ويُحرم عليه الأخذ إن عضلها ليضطرها إلى الفداء، كما ذكر الحنفية إن كان النشوز من جهة الزّوج كره له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، لأنه أوحشها بالفراق فلا يزيد إيحاشها بأخذ المال، أما إن كان النشوز من قبل المرأة لا يكره له الأخذ.[12]
هل الذهب من حق الزوجة بعد الخلع
يعتبر الذهب بأنّه من حق الزَّوجة إذا كان تمَّ الإثبات بأنّه ليس جزءًا من المهر، بحيث قد يكون هدية من الزّوج إلى الزوجة، وبهذه الحالة لا يعتبر من المهر ولا يرد بعد الخُلْع، لأنّه يعد من الهبة فهو حقّ الزوجة طالما أنه لم يذكر و يثبت في العقد، أمّا إنْ كان الذهب من المهر يجب على الزوجة أن تردُّه للزوج بعد الخُلْع، فهو في هذه الحالة يكون ضمن ما افتدت به المراة نفسها من أجل أن يتم التفريق، لأنّ الخللع هو أحد أنواع الطلاق الذي تقوم الزّوجة منه خلاله بالتنازل عن كافة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والمادية عند النطق بحكم الطلاق.[11]
هل يجوز الرجوع بعد الخلع إسلام ويب
ذهب الفقهاء في موقع إسلام ويب إلى جواز الرجوع بعد الخلع إذا كانت هذه أول طلقة للزوجين، حيث إن الراجح من أقوال أهل العلم في الخلع بأنه طلاق بائن طلقة واحدة لا أكثر، فإذا كان الزوج قد طلق مرتين قبل الخلع لا يجوز له أن يرجع زوجته، وأما إن كان هذا الخلع الطلاق الأول أو الثاني يجوز له إرجاع زوجته لكن مع عقد جديد بعد الخلع، لأنه يصبح مثل غيره من الخطاب المتقدمين للزوجة يجوز لها أن ترفضه ووتزوج غيره بعد انتهاء العدة ويجوز لها أن تقبل به وتتزوج به على عقد جديد ومهر جديد، وأشار الموقع إلى ذلك بقول: “فالراجح من كلام أهل العلم أن الخلع تقع به طلقة بائنة، وهو قول الجمهور، فإن تم الاتفاق بينكما على الخلع؛ بأن بذلت لزوجك العوض، وتلفظ هو بالطلاق، أو الخلع، فقد تم الخلع، وتكون إجراءات المحكمة لمجرد التوثيق. فإن لم يسبق هذه الطلقة طلقتان، جاز له رجعتك، ولكن بعقد جديد”.[13]
مقالات قد تهمك
إلى هنا أعزّاءنا القرّاء نصل وإيّاكم إلى نهاية هذا المقال الذي قدمناه لكم بعنوان هل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع، فقد عرفنا في هذا المقال بعض من المعلومات حول الخلع وحكمه في الإسلام، وقد أدرجنا لكم الإجابة الصحيحة حول السؤال المطروح، ثمّ تعرفنا على هل يجوز للقاضي خلع الزوج دون رضاه، وهل يجوز رجوع الزوجين بعد الخلع عند الشيعة، كما ختمنا مقالنا ببعض المعلومات عن هل الذهب من حق الزوجة بعد الخلع.
المراجع
- ^ inbaz.org.sa، ما معنى الخُلْع؟ وكيف يتم؟، 24/11/2024
- ^ صحيح النسائي ، الألباني، عبدالله بن عباس ، 3463 ، صحيح.
- ^ aliftaa.jo، مَشروعيةُ الخُلعِ وصاحبُ الحقِ فيه بينَ النَّصِ والفِقهِ والقَضاءِ (*)، 24/11/2024
- ^ سورة البقرة ، الآية 229
- ^ هداية الرواة، الألباني، ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، 3215، إسناده جيد.
- ^ islamweb.net، الرجعة بعد الخلع، 24/11/2024
- ^ islamweb.net، خلع القاضي دون رضا الزوج، 24/11/2024
- ^ الأربعون النووية ، النووي، أبو سعيد الخدري، 32 ، حسن.
- ^ sistani.org، كتاب الخلع والمباراة » طلاق الخلع، 24/11/2024
- ^ sistani.org، الطلاق الخلعي، 24/11/2024
- ^ islamweb.net، ما يأخذه الزوج مقابل الخلع، 24/11/2024
- ^ islamqa.info، هل لزوج أن يطلب في الخلع أكثر مما دفع من مهر ؟، 24/11/2024
- ^ islamqa.info، الرجعة بعد الخلع، 24/11/2024
التعليقات