عناصر المقال
هل يجوز للورثة بيع الوقف هو أحد المواضيع الفقهية المهمة للغاية بالنسبة لكثير من المسلمين، وخاصّة أولئك الذين ورثوا عن آبائهم وأجدادهم مالًا كان قد تمَّ جعله وقفًا من قبل صاحبه، ولذا فإنّه من الواجب على المسلم أن يعرف نظرة الشريعة الإسلامية للمال الوقف من حيث البيع والشراء وخاصّة إذا كان هذا الوقف موروثًا، لذا فإنّ هذا الحكم سوف يعرض تعريف الوقف وشروطه وأنواع وسيتحدَّث بالتفصيل عن حكم بيع الوقف الموروث ورأي العلماء في بيع الوقف الموروث.
ما هو الوقف في الإسلام
إنّ المال الوقف في الإسلام هو المال الذي يُعطى كاملًا بعائداته المادية المستقبلية إلى مصرف مباح، فلا يكون ملكًا لأحد ويكون عطاؤه مستمرًا حتَّى بعد وفاة صاحبه الأصلي الذي جعله وقفًا في سبيل الله، ويختلف الوقف عن الصدقة بأنّ الصدقة تنتهي بمجرد إنفاقها فلا يستمر عطاؤها، بينما مال الوقف هو المال الذي يستمر عطاؤه حتَّى بعد إنفاقه للمرة الأولى، وسنعرض فيما يأتي تعريفات المذاهب الإسلامية الأربعة للمال الوقف في الإسلام: [1]
- تعريف المذهب الشافعي: “تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته، ويصرف في جهة خير تقرباً إلى الله تعالى”.
- تعريف المذهب الحنفي: “حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بالمنفعة”.
- تعريف المذهب الحنبلي: ” تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة”.
- تعريف المذهب المالكي: “جعل منفعة مملوك ولو بأجرة، أو غلقه لمستحقه بصيغة مدة ما يراه المحبس”.
هل يجوز للورثة بيع الوقف
أجمع علماء المسلمين على أنّه لا يجوز للورثة بيع الوقف أبدًا، فلا يجوز التصرف بالوقف أبدًا، بل يجب أن يظر لازمًا على حاله، واستدلّ أهل العلم في هذا الحكم الشرعي بحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي جاء فيه: “أنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بمالٍ له علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ يُقالُ له ثَمْغٌ وكانَ نَخْلًا، فقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي اسْتَفَدْتُ مالًا وهو عِندِي نَفِيسٌ، فأرَدْتُ أنْ أتَصَدَّقَ به، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تَصَدَّقْ بأَصْلِهِ، لا يُباعُ ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ، ولَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ، فَتَصَدَّقَ به عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ تِلكَ في سَبيلِ اللَّهِ وفي الرِّقابِ والمَساكِينِ والضَّيْفِ وابْنِ السَّبِيلِ ولِذِي القُرْبَى، ولا جُناحَ علَى مَن ولِيَهُ أنْ يَأْكُلَ منه بالمَعروفِ، أوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غيرَ مُتَمَوِّلٍ بهِ” [2]وهذا دليل على أنّ بيع مال الوقف باطل في الشرع الإسلامي، والله تعالى أعلم. [3]
أقوال الفقهاء في حكم بيع الوقف
لأنّ مسألة بيع الوقف الموروث أو غير الموروث هي من أهم المسائل الفقهية التي يتعرض إليها الكثير من المسلمين في حياتهم اليومية في هذه الأيام من هذا العصر وفي كل عصر، فقد كان لزامًا على فقهاء وعلماء المسلمين في المذاهب الإسلامية الأربعة التمحيص والبحث في هذا الجانب الفقهي المهم، ومن أقوالهم في حكم بيع الوقف ما سيأتي: [3]
-
قال ابن قدامة في كتابه المغني: “الْوَقْف إذَا خَرِبَ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ , كَدَارٍ انْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضٍ خَرِبَتْ وَعَادَتْ مَوَاتًا، وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهَا، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِتُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ . وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِيعَ جَمِيعُهُ، وإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْوَقْفِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ غَيْرُهُ أَنْفَعَ مِنْهُ وَأَكْثَرَ رُدَّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ صِيَانَةً لِمَقْصُودِ الْوَقْفِ عَنْ الضَّيَاعِ، مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ، وَمَعَ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ قَلَّ مَا يَضِيعُ الْمَقْصُودُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ فِي قِلَّةِ النَّفْعِ إلَى حَدٍّ لَا يُعَدُّ نَفْعًا، فَيَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ”.
-
قال أبو الحسن الماوردي: “شِرَاءُ الْوَقْفِ بَاطِلٌ بِوِفَاقٍ”.
-
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية: “لا يجوز الرجوع فيما وقفته من الأرض، ولا في بعضها؛ لأنها خرجت عن ملكك بالوقف، إلى الانتفاع بها فيما جُعلتْ له، فإن احتيج إليها في تلك الجهة للدفن فيها فبها، وإلا بيعت وجعل ثمنها في مقبرة في جهة أخرى، وذلك التصرف بمعرفة قاضي تلك الجهة التي فيها الأرض الموقوفة”.
أنواع الوقف في الإسلام
ينقسم الوقف في الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام، اثنان من هذه الأقسام الثلاثة رئيسان بينما يُشتق من هذين القسمين أو النوعين النوع الثالث، وفي النقاط الآتية نذكر أنواع الوقف وتعريف كل نوع من هذه الأنواع على حِدة: [4]
- الوقف الأهلي: وهو الوقف الذي يُعلّم بالوقف الذّري، وهو الوقف الذي يجعل المسلم عائداته أو المنفعة التي تصل منه لأشخاص معينين من عائلته سواء أبنائه أو أقربائه.
- الوقف الخيري: وهو الوقف الذي يجعل صاحبه عائداته لجهة خيرية أو أكثر، ويكون المال الذي يصدر عن هذا الوقف في سبيل الله رب العالمين، أي قربة لرب العالمين جل وعلا.
- الوقف المشترك: وهو الوقف الذي يكون مشتركًا بين الوقف الأهلي أو الذري والوقف الخيري، وهذا النوع هو النوع المشتق من النوعين الأساسيين وهما الوقف الأهلي والوقف الخيري.
ما هي شروط المال الوقف في الإسلام
إنّ كان المسلم يملك مالًا معينًا، سواء كان أرضًا أو حقلًا أو بستانًا من النخيل أو محلًا تجاريًا، أو غير ذلك من المال المثمر، أي الذي يزداد ماله بالعمل يومًا بعد يوم، وأراد أن يجعل هذا المال وقفًا في سبيل الله تعالى فإنّ هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتحقق، وهذه الشروط هي: [4]
- الشرط الأول: أن يكون الوقف ملكًا لصاحبه كاملًا، وأن يكون صاحبه مكلفًا عاقلًا بالغًا راشدًا.
- الشرط الثاني: يجب أن يكون المصدر الذي أتى منه هذا المال معروفًا وألّا يكون مالًا مختلسًا.
- الشرط الثالث: يجب أن يعود هذا الوقف بالنفع على الآخرين.
- الشرط الرابع: يجب أن يكون الوقف أبديًا، فلا يمكن للمسلم أن يجعل ماله وقفًا مؤقتًا يشترط استعادته في وقت معين.
متى يبطل الوقف
هنالك حالات عديدة يبطل فيها الوقف، وقد أشارت إليها القوانين وذلك وفق أحكام الشريعة الإسلامية وحسب ما ذهب إليه الفقهاء من أهل العلم في الإسلام بناء على الأدلة الشرعية، وهنالك ثلاث حالات يبطل فيها الوقف، الحالة الأولى أن يكون المال الموقوف ليس ملكًا للشخص الذي وقفه، وثبت أن هذا المال ليس له عند ذلك يبطل الوقف لأن الشخص يهب ما ليس لها وهذا لا يجوز وتعدي على حقوق الآخرين، الحالة الثانية أن يكون المال الموقوف أكثر من ثلث التركة للمريض الذي يوشك على الموت، وهنا لا يجوز أيضًا ويبطل الوقف إلا إذ رضي الورثة ووافقوا على ذلك، الحالة الثالثة إذا ثبت أن المقصود من الوقف حرمان الورثة من الميراث فيما زاد على ثلث التركة والله تعالى أعلم.
مقالات قد تهمك
بهذه الشروط نختم هذا المقال الذي عرفنا في بدايته الوقف في الإسلام، ثمَّ تحدثنا عن هل يجوز للورثة بيع الوقف ومررنا فيه بالتفصيل على أقوال الفقهاء في مسألة بيع الوقف من قبل الورثة وسلّطنا الأضواء على أنواع الوقف وشروط المال الوقف في الشرع الإسلامي.
المراجع
- ^ al-maktaba.org، كتاب مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 21/11/2024
- ^ صحيح البخاري، عمر بن الخطاب، البخاري، 2764، صحيح.
- ^ islamqa.info، لا يجوز بيع الوقف ولا شراؤه، 21/11/2024
- ^ wikiwand.com، وقف (إسلام)، 21/11/2024
التعليقات