عناصر المقال
هل يجوز شرعا مسامحة الزوجة الخائنة، حيث تُعدُّ الخيانة الزوجية أصعب ما يواجهه الإنسان في حياته، لأنها تصيب كرامة الإنسان الحر صاحب الأخلاق العطرة، وهي أكبر خطر على استقرار الحياة الأسرية، وجحيم يعصف بسنوات العيش الرغيد التي كانت قبله، فكيف يمكن للمسلم أن يتقبل مثل هذا الفعل، وهل يمكن أن يصفح عنه ويسامح من قام به، وينسى ذلك؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.
هل يجوز شرعا مسامحة الزوجة الخائنة
يمكن للزوج أن يسامح زوجته إذا وقعت منها خيانة ثم تابت إلى الله عز وجل، فالسماح والعفو من شيم الكرام ومن الصفات الطيبة إذا كانت في مكانها ولمن يستحق ذلك، وأما إذا كانت المسامحة على أعمال فيها انتهاك لحرمات الله عز وجل مع الاستمرار بذلك، فهذا لا يجوز، حتى وإن كان الإيذاء شخصي، فهناك حرمات لله سبحانه وتعالى يجب حفظها وعدم انتهاكها، فالمسامحة في مثل هذا تصبح قبولًا بالخنا ودعوة للفجور، وليس كل عفو عن الناس يكون خيرًا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حلمًا وعفوًا ، لكن كان ذلك ينتهي عند حدود الله، فلا عفو فيها، ولا عدوان عليها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا إلّا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيءٌ قطُّ فينتقم من صاحبه، إلّا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله فينتقم لله عز وجلَّ”[1]، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “العفو المندوب إليه ما كان فيه إصلاح؛ لقوله سبحانه وتعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، والله تعالى ورسوله الكريم أعلم. [2]
هل يجوز مسامحة الزوجة الخائنة إذا تابت
الخيانة إثم عظيم وفاجعة تصيب كرامة الرجل إذا وقعت من قبل زوجته التي يعيش معها تحت سقف واحد، ولكن إذا تابت هذه الزوجة إلى الله تعالى توبةً صادقة حقيقية، يُمكن للزوج أن يصف عنها ويسامحها على ما قامت به من إثم، وذلك درءًا للفضيحة، وحفاظًا على كيان الأسرة من التصدع والانهدام، لا سيما إذا كان هناك أطفال صغار بحاجة الرعاية من الأم والأب، فالمرأة إذا تابت، ورجعت إلى الله عز وجل، فزوجها يمسكها كونها زنت، فلا يحرمها عليه، ولكن عليها أن تتوب إلى الله توبة صادقة، وعليها أن ترجع عن هذا الباطل، وأن تتحفظ بعد ذلك، وعلى زوجها أن يلاحظها، وأن يعتني بها، وأن يحرص على أسباب حفظها، وسلامتها، ونجاتها من هذا الشيء، ولا حرج عليه في بقائها، فليس زناها يحرمها عليه إذا تابت، واستقامت، وأمّا إذا كان يتهمها، ويظن أنها تخونه، فلا خير في بقائها عنده، لكن ما دام أظهرت التوبة، وظن بها الظن الحسن، وظهر منها ما يدل على رجوعها في الصواب، والحق، والهدى، فلا بأس أن يستر عليها، ولا يبين هذا الشيء، بل يكون بينه وبينها فقط، وأن يحسن إليها بالنصيحة، والإرشاد، والتوجيه، والتحذير من العودة إلى ما حرمه الله عليها، والله هو التواب الرحيم، والحمد لله رب العالمين. [3]
هل يجوز طلاق الزوجة الخائنة
الطلاق حق شرعي لكل من الزوج والزوجة، ولكن يجب أن يكون هناك أسباب واضحة توجب الطلاق ومما لا شك فيه أن الخيانة سبب كافٍ للطلاق أو المخالعة، وإذا كانت الزوجة تسير في طريق الإثم والمعاصي وتأكد الزوج من خيانتها له، وارتاب من صدق توبتها، بعد استمرارها بتلك المنكرات القبيحة، فينبغي له أن يفارقها بطلاق أو خلع، وهذا ما يسمى الطلاق المندوب، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة، ولا ينبغي له إمساكها، وذلك لما فيه نقصا لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه، ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب. أو عليه أن يتستر عليها، ولا يخبر أحدًا بما قامت به من منكرات ومعاصي، ما لم يكن هناك مصلحة راجحة في الإخبار عن ذلك وكشفه، فالستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، والواجب على الرجل أن يعف زوجته بقدر طاقته وحاجتها، ولا يجوز له ترك جماعها لغير عذر، إلا إذا كان فيه تأديب لها، والله سبحانه وتعالى ورسوله أعلم. [4]
حكم طلاق الزوجة الخائنة
يحق للرجل المسلم أن يطلق زوجته إذا وقعت منها خيانة له، ويجوز له ذلك ولا حرج عليه، فلا يمكن للرجل العفيف الحر أن يقبل العيش مع امرأة وقعت في الزنا، فكيف له أن يعاشرها بعد ذلك أو أن يمسكها عنده، فهذه مصيبة لا يمكن لجبل أن يحملها، لذلك يكون الطلاق جائزًا؛ خوفًا على العرض من التدنيس، وعلى النسب من الاختلاط، ودرءًا لإثم الدياثة، فإمساك الزوجة رغم ما يعرف عنها زوجها من خيانتها، من غير توبة إلى الله عز وجل، هو انعدام للمروءة والغيرة، إلا إذا كان معذورًا في ذلك لسبب أو لآخر، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه”[5]، وقد قال الله تعالى: “الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”[6]، ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن الزانية لا يجوز تزوجها إلا بعد التوبة، وكذلك إذا كانت المرأة تزني، لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال، بل يفارقها، وإلا كان ديوثًا، والله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام أعلم.
حكم الخيانة الزوجية
الخيانة الزوجية التي يُقصد بها الزنى هي محرمة شرعًا، فقد قال الله سبحانه وتعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا”[7]، والآيات التي تدل على حرمة الزنى كثيرة، فربط العلاقات من الزوجة مع رجل آخر، أو من الزوج مع امرأة أخرى، حرامٌ وحرمة الزنى مما هو معلوم من الدِّين بالضرورة، وأمّا النظر، والخلوة، فقد وردت النصوص من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة بتحريمهما، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ”[8]، ووجّه نفس الخطاب إلى النساء، بقوله جل وعلا: “وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ”[9]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يخلون رجل بامرأة، إلاّ ومعها ذو محرم”، والله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم أعلم. [10]
مقالت قد تهمك
هل يجوز الطلاق من الزوج الكذاب إسلام ويب | هل يجوز طلب الطلاق بسبب كثرة المشاكل |
هل يجوز خلع الزوج دون علمه وما هي شروط خلع الزوج في الإسلام | كفارة حلف الطلاق عند الغضب ، ما هو حكم يمين الطلاق بالثلاثة |
ومن خلال هذا المقال نكون قد بيّنا لكم هل يجوز شرعا مسامحة الزوجة الخائنة، إذ يمكن للزوج أن يسامح زوجته إذا وقعت منها خيانة ثم تابت إلى الله عز وجل توبة صادقة حقيقية، والله ورسوله أعلم.
المراجع
- ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين،مسلم،2328،صحيح
- ^ islamqa.info، هل البقاء مع الزوجة الزانية حرام، 22/05/2023
- ^ binbaz.org.sa، حكم إبقاء الزوجة إذا زنت وتابت، 22/05/2023
- ^ islamweb.net، طلاق الزوجة الخائنة والستر عليها وهل له أن يضربها، 22/05/2023
- ^ صحيح مسلم، أبو هريرة،مسلم،2761،صحيح
- ^ سورة النور، الآية 3
- ^ سورة الإسراء، الآية 32
- ^ سورة النور، الآية 30
- ^ سورة النور، الآية 31
- ^ islamweb.net، نظرة الشرع للخيانة الزوجية وضرورة ضبط المصطلحات، 22/05/2023
التعليقات