عناصر المقال
شرح قصيدة البردة للبوصيري واهم الصور في القصيدة، فالشعر هو اللغة العظيمة الفاعلة في حياة الإنسان منذ العصر القديم وحتى هذه اللحظة فلا يقوى شيء على كسرها ولا على تحطيها وما نزل الإسلام إلا بكلمة معجزة أعجزت أهل الأرض بأسرهم، وفي هذا المقال سيكون تفصيل الكلام عن البوصيري وما هي قصيدة البردة الخاصة به التي قالها وما الصور الفنية الخاصة بالقصيدة وغير ذلك من الأمور.
من هو كاتب قصيدة البردة
كاتب القصيدة شاعر صنهاجي عُرف بم\ائحة النبوية على مر الزمان واسمه الكامل هو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري (608 هـ – 696 هـ / 7 مارس 1213 – 1295)، تذكر المصادر الأدبية أنّه ولد في الجزائر في منطقة يُقال لها دلاس، وقال بعض علماء النسب انّه يعود إلى قبيلة يمتد نسبها إلى إحدى القبائل في صناهجة، تذكر المصادر الأدبية والتاريخية أنّ البوصيري تلقى العلم لى يد العلماء منذ نعومة اظفاره وتتلمذ على يديه الكثير من الأدباء فيما بعد، وسر لسانه البديع أنّه استطاع حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره.
وكما أنّ الإنسان يختار حياته وطريقة السير فيها اختار البوصيري حياته بين دقائق السيرة النبوية الخاصة بالمصطفى عليه الصلاة والسلام فدرس مواقفه دراسة عظيمة وعني بها واستطاع أن ينسج صورة متكاملة لذلك العصر الذي كا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، وقد درج ذلك على لسانه فصاح وعلمًا وفهمًا فقال:
يا من خـزائن مـلكـه مملوءة
كرمًا وبابُ عطائه مفتـوحندعوك عن فقر إلـيـك وحاجة
ومجال فضلك للعباد فسـيحفاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا
إن الكريم عن المسيء صفوح
شرح قصيدة البردة للبوصيري
سندرج في السطور القادمة شرح بعض أبيات البردة، وهي من أجمل قصائد البوصيري:
- أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ
مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمة ٍ
وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
يبتدئ الشاعر قصيدته بما اعتاد العرب أن يبتدئوا به قصائدهم منذ عصر الجاهلية وهو الحنين أو الوقوف على الأطلال ويبتدئ البوصيري بردته بالكلام عن سبب حزنه وسبب ألمه ويتساءل عن سبب نزول الدم ممزوجًا بالدمع من العينين ويقول هل يترى حصل ذلك الأمر بسبب الحنين إلى الأهل والجيران وهو يأتي الآن على ذكر بعض الأماكن مثل كاظمة وذي سلم وغيرها، ويُعرج بعد ذلك في كلامٍ له مكملًا تساؤله عن الأحوال الخارجية التي تجري في الدنيا وما سبب ومض البرق في ذلك الظلام وغيره.
- فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
الآن يكمل الشاعر تساؤلاته ويقول مالي عندما للعينين التي أراهما كفا عن البكاء ويكفي هذا القدر من الحزن سالت الدموع أكثر من العينين ومالي لما أقول للقلب كفاك ذلك الذي تعيشه من وله الحب ووله الهويام زاد قلبك في الإغراق في ذلك وزدت عشقًا وحبًا وهويام حتى نك لتغرق في ذلك الهويام.
- أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ
يُنوع الشاعر الآن في كلامه فينتقل من أسلوب الكلام بالخطاب إلى الكلام عن شخص غائب ويقول له هل تظنّ أن ذلك الحب سوف يخفى عن الناس وعن أهل الأرض كلهم وأنت عيونك تفيض بالدموع والعين لما تبكي والقلب لمّا يألم يزداد شعور الإنسان بالحزن والأرق وينعكس ذلك على جسده.
- لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلم ِ
يزيد الشاعر في وصف ذلك الحب الذي يعانيه وذلك العشق والهويام فيقول لولا المشاعر الفياضة والعشق والهويام لما كان هناك دمع على طلل في يومٍ من الأيام أي لما وقف إنسان ما على آثار الديار وصار يبكي ويشكل الشوق والهويام، ولولا الحب لما رق إنسان ما لذكر مواضع اهله وأرضه وقال هنا البان والعلم لأنهما موضعان من مواضع الحجاز.
- فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ
بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ وضَنًى
مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ
الآن يُحاول الشاعر أن يُعرج في كلامه على الحب ويتحدث عنه حديثًا طويلًا عميقًا ويتساءل في خطابه الأول عن سبب نكرانه ذلك الحب وعن سبب نكرانه أنه عاشق هائم بين جدران الألم والحب، وكثيرة هي الشواهد عليك تلك التي تتكلم كلامًا طويلًا عن الحب فدموعه تشهد كثيرًا على ذلك الحب الذي ينكره، والوجنات أعياها الألم وأعياها الضنى وأعياها الحزن حتى صار الوجه بلون شاحب أصفر تعب جدًا، فها هو قاضي الهوى يحكم على ذلك الإنسان بأنه عاشق رغم تخبئته لتلك القصة.
- نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني
والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ
الآن في اللحظة التي يرتاح الإنسان فيها من الألم ويعمد إلى لذته في النوم يكون هناك شيء آخر ينتظره ربما لا يسره، ذلك الشيء هو طيف المحبوب الذي زار العاشق في النوم وهذه الزيارة كلفت الإنسان ثمنًا كثيرًا فقد كلفته أن يأرق في ليله ويذهب النوم عنه ويعود أخيرًا إلى وحدته.
- يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَة ً
منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
عن الوُشاة ِ ولا دائي بمنحسمِ
يأتي الشاعر في هذين البيتين للكلام عن شيء قد تطرأ الشعراء للكلام عنه قبلًا وهو العذال واللائمون الذين لا يستمعون إلى حزن العاشق ولا إلى ألمه ولا إلى قصيجته بل يحملون عصى التقريع ويعمدون إلى ذلك المكان الذي يجتمع فيه لوّام الشعراء ليزيدوا عليهم من الكلام وينسبون لهم الضعف وقلة الحيلة.
- مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ
ولكن مع ذلك كله إنّ الشاعر لا يتكلم عن أي شيء سوى عن حبه ومشاعره وذلك الكلام كله واللوم كله والتقريع كله لا يفيده في شيء ولا يزيد عليه شيئًا سوى ألم على ألمه وحزن على حزنه ومع ذلك هو سيحاول جهده ألا يستمع إلى تلك القصائد اللائمة في حبه وعشقه بل سيبقى لوحده.
الصور الفنية في قصيدة البردة
لقد استطاع الأدباء قبلًا أن ينسجوا قصة عميقة من الحب والشعر والأدب الجميل من خلال مجموعة من الصور الفنية التي تثير في نفس المتلقي ما لا يستطيع الكلام العادي أن يثيره أو يؤججه أو يحركه، وفي هذه الفقرة سيكون الكلام عن مجموعة من الصور الفنية الواردة في القصيدة:
- والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم: في هذه الصورة الفنية يشبه الشاعر النفس الداخلية للإنسان بالطفل الذي لا يفهم شيئًا ولا يأبه لشيء سوى لرغباته الداخلية، وهذا التشبيه هو تشبيه مجمل وذلك لأن الشاعر حذف وجه الشبه وأبقى على المشبه والمشبه به.
- وراودتهُ الجبالُ الُشُّمُّ من ذهبٍ عن نفسهِ فأراها أيما شممِ: في هذه الصورة تحاول الجبال أن تثني الإنسان عن قوته ومنعته وسؤدده ولكن هو لا يستمع إليها على الإطلاق ولا لكلامها ابدًا ويريها من نفسه قوة ومنعة، وهذا التشبيه هو استعارة مكنية فقد حذف المشبه به وهو الإنسان وكنى بشيء عنه وهو المراودة وهذا استعارة مكنية.
- وكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ غَرْفاً مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ: الآن في هذه الصورة يتمم الشاعر ما ابتدأه من قوة الصور الشعرية التي عرضها في قصيدته، وهذه الصورة استعارة تصريحية فقد حذف المشبه وهو علم رسول الله صلى الله وفهمه وحكمته وكنى بالمشبه به وهو البحر.
- فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم: في الصورة يثبت الشاعر حقًا الكلام الذي قيل في حق المُحب وينهاه عن زيادة الإنكار فكل الشهود ذوي السلطة والمنعة والقوة قد شهدوا بحبه، وهنا استعارة مكنية في قوله شهدت عليك عدول الدمع فجعلها مثل الإنسان الذي يشهد في قضية ما فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ وضَنًى مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ: التشبيه في هذه الصورة هو تشبيه مجمل لأن وجه الشبه غير موجود وقد اقتصر الشاعر كلامه على المشبه وهو الوجه والخدين والمشبه به وهو البهار وهو هنا يصف شدة النحول والوجد الذي يُلاحظه الإنسان العقل على وجه العاشق ولا يخطئه.
- نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ: في هذا البيت الشعري صورتان فنيتان لا بد من تفصيل الكلام فيهما، فأمّا الصورة الأولى فهي أنّ الشاعر جعل الطيف مثل الإنسان الذي يسري ويؤرق الناس من حوله ويتركهم في غياهب الليل، والحب مثل الإنسان الذي يعترض غيره وهو في لذة فيترك له من الألم شيئًا كثيرًا.
معاني المفردات الصعبة في قصيدة البردة
بسبب طول العهد الذي مضى على الإنسان وابتعاده عن اللغة العربية الفصحى فقد ظهرت بعض المفردات والمعاني التي قد يجدها الإنسان صعبة بعض الشيء، ولذلك فما يلي سيكون شرح بعض من تلك المفردات:
- الطيف: إنّ الطيف كما ذكر في معجم المعاني للة العربية هو شيء من الخيال يراه النائم في منامه فيُقال فلان زاره طيف قديم.
- الوشاة: اي الأشخاص النمامون الذين يسعون في الكلام بين الناس، وهذه الصفة هي من الصفات المُستقبحة في الإسلام وحتى في أخلاق العرب قديمًا.
- العذال: وهي اجمع من المفرد عاذل وهو الذي يلوم غيره على فعل ما ويُشعل لديه تانيب الضمير وكثيرًا ما ورد لفظ العذال أو العاذل في القصائد العربية.
شرح قصيدة البردة للبوصيري PDF
إنّ قصيدة البوصيري هي من القصائد العصماء التي تسابق إليها العلماء والأدباء والشراحون يريدون أن يتكروا بصماتهم عليها، وفي هذا المقال تعرضنا لشرح الأبيت العشر الأوائل من القصيدة بناء على مجموعة من الكتب والشروحات القديمة والحديثة، ولتحميل كافة ما ورد في المقال يمكن ذلك عبر الضغط “من هنا“.
مقالات قد تهمك
الأدب والشعر هو السيف الذي يبرزه العرب فيهابهم مَن خالفهم من الناس ولذلك فقد كثرت القصائد العربية على مر التاريخ، ومن المقالات التي تهم في ذلك:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة البردة للبوصيري واهم الصور في القصيدة وتكلمنا فيه عن معلومات واسعة وهامة عن هذه القصيدة الفريدة من نوعها الجميلة في بهائها وما أحلى الصور الفنية التي وردت بها وغير ذلك.
التعليقات