عناصر المقال
شرح قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل والصور الفنية فيها، فالشعر العربي هو الإرث الثقافي الذي صور الأحداث الحياتية والتاريخية منذ العصر الجاهلي وحتى هذه اللحظة وقد شاع السجال بين الأدباء والصوف والرثاء والحزن والألم والاشتياق والحب والوله وكل ذلك مصور من خلال الكلمة الأدبية، وفي هذا المقال سيكون الوقوف مع مجموعة من المعلومات الخاصة بقصيدة أبي نواس والإضاءة على بعض المفصليات فيها.
مؤلف قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل
إنّ كاتب قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل هو أبو نُوَاس أو الحسن بن هانئ الحكمي شاعر عربي وقد وُلد في الأهواز سنة (145هـ / 762م) ولكنّه نشأ في البصرة واحدة من مدن العراق، صافت ولادته العصر العباسي وهي الدولة الثانية بعد الخلفاء الراشدين وقد اختلفت الحياة في هذا العصر عن ذي قبل وبدأ الناس يبتعدون بعض الشيء عن الدين الإسلامي ويغرقون في مكان آخر من وصف المرأة والخمرة وغيرها مما لم يدرج في العصر الأموي ولا في عصر الخلافة الراشدية.
كان أبو نواس على رأس مَن وصف الخمرة وأسهب في الكلام عنها ووكان أول ما صنعه لما اشتد عوده انتقل للعيش من البصرة إلى بغداد وبدأ يتصل بالملوك ويمتدحهم وكان ذلك فعل الشعراء الذين يرغبون في الظهور بسرعة، ولكنه لم يرغب أن يكرر غيره ابدًا بل بدأ سعيه ليخلق من الشعر موجة أخرى فكان شاعر التجديد والثورة على التقاليد والشعر المعروف فانقطع إلى الخمرة والغلمان والقواني والألحان فجعل لها حياته وصار يستفيض في وصفها فجعل منها شخًا يُعشق فكان هو شاعر الخمرة عند العرب دون أن ينازعه أحد، ولكنه فيما بعد تاب وصار شاعر الزهد وقال في ذلك أقوالًا كثيرة.
شرح قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل
الشعر هو تجسيد حقيقي لحياة الإنسان وما يشعر به وما يأمله وما يألم منه، الشعر هو الكلمة الفصيحة التي تعبر عن دواخل النفس الأصيلة والعميقة، وما يأتي قصيدة لشاعر الأدب والفن أبي نواس في وصف الخمرة حين قال:
-
عُج لِلوُقوفِ عَلى راحٍ وَرَيحانِ
فَما الوُقوفُ عَلى الأَطلالِ مِن شاني
لا تَبكِيَنَّ عَلى رَسمٍ وَلا طَلَلٍ
وَاِقصِد عُقاراً كَعَينِ الديكِ نَدماني
الآن يبتدئ الشاعر أو قصيدته بثورة من شأنها أن تقلب الشعر العربي بأسره وتقلب الموازين كلها حيث إنه قال في متن كلامه أنّ ما فعله الناس قبلًا من الوقوف على الأطلال والبكاء والاستبكاء والحزن على ما مضى ليس من شأنه وهو لن يكون كذلك أبدًا فهو شاعر التجديد والرؤية الحديثة وبدلًا من ذلك فليقصد الإنسان مكانًا يستريح فيه.
-
سُلافُ دَنٍّ إِذا ما الماءُ خالَطَها
فاحَت كَما فاحَ تُفّاحٌ بِلُبنانِ
كَالمِسكِ إِن بُزِلَت وَالسَبكِ إِن سُكِبَت
تَحكي إِذا مُزِجَت إِكليلَ مَرجانِ
الآن يأتي الشاعر بعد البيتين الأوليين للكلام عن شأنه بعد أن ذكر أنّ الأطلال ليست من شأنه فقال إنّ شأنه هو الخمرة العتيقة الخالصة من الشوائب فلمّا يرى برميل الخمير الخالص المعتق ويُصب له منه ويخلط الماء بالخمرة فإنّ رائحته تفوح كما تفوح رائحة التفاح الطازج في لبنان، ويبدو أنّ لبنان منذ ذلك الوقت هي شهيرة بثمرتها، وبعد ذلك يجود في وصف الخمرة فأكثر فيقول هي كالمسك في رائحتها بل إنّها كالذهب بل هي من المرجان إذا مزجت وصارت جاهزة للتناول.
-
صَهباءُ صافِيَةٌ عَذراءُ ناصِعَةٌ
لِلسُقمِ دافِعَةٌ مِن كَرمِ دِهقانِ
كَرمٌ تَخالُ عَلى قُضبانِ نَخلَتِهِ
يَومَ القِطافِ لَهُ هاماتِ حُبشانِ
الصهباء هو ااسم من أسماء الخمرة المعروفة قبلًا ثم يتابع كلامه في غزل الصهباء فيقول إنّها صافية مثل صفاء العذراء في خدرها كأنّه لم يمسها بشر قبلًا، وهي بعد ذلك كله لا تترك في جسد الإنسان علة ولا مرض ولا سقم ولا أي شيء بل إنّها دافعة لكل ذلك بكل قوتها، حتى إنّ الرائي لها يوم القطاف وهو يقصد الآن قطاف العنب الذي يصنع الخمر منه ليأخذ الألباب وتتفتح له القلوب والنفوس.
-
لَم تَدنُ مِنها يَدٌ مُذ يَومِ قَطفَتِها
وَلَم تُعَذَّب بِتَدخينٍ وَنيرانِ
حَتّى إِذا عُقِرَت سالَت سُلالَتُها
في قَعرِ مَعصَرَةٍ كَالعَندَمِ القاني
الآن يتابع أبو نواس كلامه في الحديث عن رقة الخمرة وجمالها وروعتها وحسنها وبهائها ويصف مراحل صنعها فلما قطف العنب من على شجره لم يمسه إنس قط بل حُفظ في مكانه لا تطاله يد الناس وهذا لفرط رقة المشروب وكأنه لا يحتمل أن تمتد إليه يد البشر، وهي على عكس غيرها من المسرات فلم تتعرض لا إلى دخان ولا إلى حرق ولا إلى غير ذلك مما يعكر صفو الإنسان، حتى إذا وضع العنب في مكان قعره وضُرب سال منه الشراب بصورة جمالية رائعة كما يسيل دم الغزال الأحمر القاتم الذي كانت تطبخه النساء قبلًا مع شيء من الزينة وتختضب فيه.
-
وَحَولَها حارِسٌ ذو صَلعَةٍ شَكِسٌ
عِلجٌ يَدورُ أَخو طِمرٍ وَتُبّانِ
في وصف صنع الخمرة ودقها وتعتيقها لا بدّ من الكلام عن عاصرها ويصف الشاعر أبي نواس عاصر الخمرة على أنّه رجل سيئ الخُلق غليظ الطلعة أصلعًا يلبس سروالًا يصل إلى ركبتيه وهو القائم على شأنها كله، وربما استعمل أبي نواس هذه الصورة عن عاصر الخمرة وكأنه استوحاها من صورة المردة الكبار أو الجان التي توصف في الحكايات التي تقزم على حراسة شيء عظيم فلا تدع أحدًا يقترب منه، وشأن ذلك الرجل مع الخمرة هو عين ذلك الشأن.
-
سَلسالَةُ الطَعمِ إِسفَنطٌ مُعَتَّقَةٌ
بِشُربِها قَيِّمُ الحانوتِ أَوصاني
مَسحولَةٌ مُزَّةٌ كَالمِسكِ قَرقَفَةٌ
تُطَيِّرُ الهَمَّ عَن حَيزومِ حَرّانِ
ثم يعود مرة أخرى للكلام عن طعم تلك الخمرة المعتقة التي مرت بكل تلك المراحل من القطف للاحتفاظ للتعتيق للحراسة وأخيرًا للشرب الذي يصف طعمه الشاعر وكأنّها الماء الزلال وهو ربما -أي الشاعر- لم يُقدم على شربها من رأسه بل إنّ صاحب الحانوت والقائم عليه هو مَن أغواه وسقاه، وللما شرب منها طار عقله من لبه وأزاحت عنه الغم والهم الذي يشعر به الإنسان فيُكدر صفوه ويؤرق عيشه، تلك هي الخمرة الجميلة في شعره.
الصور الفنية في قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل
إنّ الصورة الفنية في القصيدة هي بمثابة الخيط الذي يشد السامع أو يشد المتلقي كثيرًا فيعمد الخير لقراءة القصيدة كلها مرة بعد أخرى وكأن يستقي من البحر المالح، وفيما يلي مجموعة الصور الفنية التي وردت في قصيدة أبي نواس:
- لا تَبكِيَنَّ عَلى رَسمٍ وَلا طَلَلٍ وَاِقصِد عُقاراً كَعَينِ الديكِ نَدماني: لقد استعمل الشاعر في هذا المثال أدوات التشبيه كلها ما عدا وجه الشبه فكان هناك المشبه والمشبه به وأداة التشبيه وهي الكاف ولكنه حذف وجه الشبه الذي يربط ما بين المشبه والمشبه به وبذلك يكون تشبيه مجمل.
- سُلافُ دَنٍّ إِذا ما الماءُ خالَطَها فاحَت كَما فاحَ تُفّاحٌ بِلُبنانِ: في هذا البيت صورتين فنيتين الصورة الأولى هي سلاف دن وهنا اراد أن يشبه الخمرة بالشيء الخالص والنقي جدًا وهو ما يطلق عليه اسم سلاف فحذف المشبه وأبقى على المشبه به وهذا استعارة تصريحية، أمّا الصورة الثانية فهي فاحَت كَما فاحَ تُفّاحٌ بِلُبنانِ فقد أوجد المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ولكنه حذف وجه الشبه وهو ما يطلق عليه اسم التشبيه المجمل.
- كَالمِسكِ إِن بُزِلَت وَالسَبكِ إِن سُكِبَت تَحكي إِذا مُزِجَت إِكليلَ مَرجانِ: كما البيت السابق يوجد نوعين من التشبيه في هذا البيت الشعري، فالقسم الأول منه يتحدث عن الخمرة فشبهها بالمسك ولكنه حذف المشبه وأبقى على المشبه به لتكون استعارة تصريحية، ثم بعد ذلك جعل الخمرة مثل الإنسان الذي يحكي قصة أو رواية فهنا كانت استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو الكلام.
-
فَلَألَأَت في حَوافي الكَأسِ مِن يَدِهِ مِثلَ اليَواقيتِ مِن مَثنى وَوِحدانِ: في هذه الصورة يتكلم الشاعر عن صفة الخمرة ويبدع في ذلك فيُشبه شكل الخمرة في الكأس مثل اليواقيت والمرجان التي تأخذ القلوب والألباب ومع ذلك فهو لم يأت بوجه الشبه وهو اللمعان والبرق فبذلك يكون التشبيه هو تشبيه مجمل.
- حَتّى إِذا عُقِرَت سالَت سُلالَتُها في قَعرِ مَعصَرَةٍ كَالعَندَمِ القاني: في هذه الصورة يتكلم الشاعر عن وصف الخمرة ويأتي بذلك في صورة فنية رائعة وبديعة فيُشبه السائل الذي يخرج من العنب أثناء دقه للخمر بدم الغزال الذي كانت تختضب النساء به، أبقى على المشبه والمشبه به وحذف وجه الشبه.
شرح المفردات لقصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل
لم يستخدم أبي نواس كثيرًا من اللفاظ المتقعرة في قصيدته الشعرية، ولكن مع ذلك هنا بعض الأبيات غير المفهومة بسبب كلمة أو كلمتين غير متدولين في هذا العصر، وما يأتي سيكون شرح تفصيلي لذلك:
- عقار: هو الشيء الذي يكون دواء يتناوله الإنسان عندما يضج بالتعب.
- سلاف: هو أحسن الخمر وأفضلها وأعظمها تلك التي تُسمى سلافًا.
- مرجان: هو نوع من أنواع السمك ذات المنظر الرائع الذي يُثير في النفس البهجة.
شرح قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل PDF
لقد استطاع أبو نواس الشاعر العربي صاحب الحظوة العظيمة في الشعر والكلمة الثابتة أن يصف الخمرة كما لم يأت على ذلك شاعر قبله حتى إنّه سمي بشاعر الخمرة، ولعل من أفضل القصائد التي قالها ما ورد في هذا المقال، وما يأتي يمكن للقارئ أن يُحمل كافة ما ورد ذكره من خلال ملف قابل للقراءة ويمكن ذلك عبر الضغط “من هنا“.
مقالات قد تهمك
لعل الشعر هو من أبجمل ما يلامس نفس الإنسان ويجعله واقفًا أمام نفسه كما يقف أمام المرآة، وفيما يلي سيكون طرح لمجموعة من المقالات التي تُشبه المقال السابق حتى تعم الفائدة:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة لا تبكين على رسم ولا طلل والصور الفنية فيها ونكون قد تكلمنا عن مجموعة هامّ من المعاني الخاصة بالخمرة والتشبيهات التي أتى بها أبو نواس كما لم يأت به شاعر قبله وغير ذلك من الأمور.
التعليقات