عناصر المقال
شرح قصيدة لا تعذليه لابن زريق البغدادي وما اهم الافكار فيها، فالشعر العربي هو الكلمة والمعنى وتوافقهما في إخراج صورة جمالية رائعة المعنى متينة المبنى، وقد كثر الشعر والشعراء كثيرًا منذ العهد الجاهلي وحتى هذه اللحظةن وفي هذا المقال سيكون الوقوف مع مجموعة من الأمور الخاصة بالقصيدة العربية للشاعر ابن زريق لا تعذليه مع الإضاءة على بعض تفصيلاته.
من هو ابن زريق البغدادي
علي بن زريق البغدادي ويلقب باسم أبو حسن وقد ولد في العراق في منطقة يُقال لها الكرخ في بغداد وهو من شعراء العصر العباسي، ومن الغريب أنّ ابن زرق على قصيدته هذه التي تعد من عيون الشعر العربي إلا أنّه لم يرو عنه غير هذه القصيدة حتى ولو بيتًا شعريًا واحدًا ولا عُرف شيء عن صباه وعن فقره ولا عن زواجه ولا عن حياته وهذا ما أثار الكثير من التساؤل عند نقاد الأدب العربي عامة.
قصيدة لا تعذليه لابن زريق البغدادي
إنّ الشعر العربي هو شامة تزدان بها محاسن اللغة العربية والأدب العربي، وهو على رأس هرم الحياة الأدبية فلا يتم أمر من دون قصيدة تاخذ الإنسان إلى عالمٍ آخر من الفهم والعلم، وما يأتي قصيدة من عيون الأدب العربي وغرة على جبين الزمان وهي التي قال فيها:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
وَلَو إِلى السِّندِ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
شرح قصيدة لا تعذليه لابن زريق البغدادي
ما يزال الشعر العربي بحاجة لأن يشرحه الناس وبخاصة ذلك الذي كان في العصور القديمة بسبب بعض الألفاظ والصور الغصية على اللسان وفيما يلي شرح كامل وواف لقصيدة لا تعذليه للشاعر ابن زريق البغدادي:
- لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ
مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
يبدو أنّ الشاعر يبتدئ قصيدته بناء على قصة قديمة كان هو ناسجها وفاعلها، ومن حيث أنّ نفسه الداخلية تعلم أنّه أخطأ سابقًا ولكنه ابتدأ كلامه وخطابه لامرأته يسألها أن تبتعد عن لومه والإغراق في ذلك لأنّ هذا مما يزيده ألمًا على ألمه ووجعًا على حزنه، وقد ظنت هي أنّ العتاب سيكون مفيدًا له ولكنه على عكس ذلك كان سببًا في ضره وكأنه جاوزت الحد في القسوة عليه.
- فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً
مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
الآن يتحول الشاعر إلى خطاب آخر يحمل الرقة والطلب الممزوج بشيء من الإحسان وهو يسأل امرأته أن بدلًا من لومي ما عليك إلا أن تستعملي الرفق والكلمة الطيب والحسن، وكان قرار ابن زريق يبدو مضرًا له وللعائلة وهو يرمي حمل ذلك القرار وأخطاؤه وسوؤه على الدهر ويحاول أن يُخرج نفسه بريئًا أو على الأقل أنّه ضحية هذه المعركة.
- يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
الآن يحكي الشاعر عن لوعة الفراق والتعب في ذلك السفر الذي اختاره حتى أضر به كثيرًا ذلك السفر وذلك التعب والوهن والبعد عن الأهل والزوجة والأحباب، والذي يزعجه أكثر نّه كان كلما يعود من سفر يعود إليه مرة أخرى وكأنّ القدر قد كتب عليه أن يبقى مشردًا في الأرض والمصيبة أن ذلك كله يجره إليه قوة العزم التي يمتلكها.
- كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً
وَلَو إِلى السِّندِ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه
للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
الآن يُحاول الشاعر أن يوضح بعض الشيء سبب سفره الدائم وحله ومرتحله في هذه الأرض ولماذا هو في كل مرة يعقد العزم على السفر إذ ذلك كله من اجل طلب الرزق وطلب المال وطلب الجاه ودائمًا ما يركض الإنسان خلف أحلامه وخلف آماله فقد يُوفق في ذلك وقد لا يُوفق ولكن هو كان مع القسم الذي قلما يوفق في تحصيل شيء من الرزق والمال.
- وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ
رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ
لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
بعد ذلك السفر الطويل والشقاء الذي أصاب الإنسان بات الأمر جليًا واضحًا بين يديه أنّه لو ذهب إلى بلاد السند وجال الأرض بما عليها فإنّه لن يأخذ أكثر من الذي قسمه الله له من المال والغنى، ولكن الإنسان يظن أن بكثرة سعيه سيحوز على غيره رزقه وهذا ما ينكره الشاعر، والدافع الأول للإنسان في ذلك كله هو الغاية التي ينظر إليها وتشد من أزره أن سوف يصبح غنيًا وصاحب مال وجاه وسلطة وغيره.
التحليل الموضوعي لقصيدة لا تعذليه
يدور الشاعر في فلك كلامه عن الألم الذي يعيشه جراء فراقه للمرأة التي يحبها وابتعاده عنها فقد خلفها في بغداد وكأنها قمر السماء لشدة جمالها وكأنّ حياته بمثابة الطريق الأسود المظلم وهي ذلك النور الذي يشع فيضيء له كل شيء، وقد تمنى الشاعر لو أنّ صفو الحياة يودعه وأملها وسعادتها ولكنه لا يودع امرأته التي احتملته واحتملت قلبه وروحه فكانت سيدة على كل شيء، ثم يتكلم عن الحكم التي حصلها على طول الدرب في حياته ويتكلم عن الأرزاق وكيف أنّ الله سبحانه وتعالى قد قسمها وحرص الإنسان الزائد على الحياة والمال وغيره من الأسباب يؤدي به إلى مهلكة عظيمة وهو ظلم ولا يكون الإنسان في هذه الحياة إلا ضحية ظلمه وضحية رغبته بأن يأخذ ما ليس له.
تتسم العبارة التي استعملها الشاعر في قصيدته لا تعذليه بالألم والحزن والعمق فقد كان يتكلم بمشاعر جياشة وعميقة وكأن الألم يعتصر فؤاده اعتصارًا بسبب غربته عن أحبته، ولكن مع ذلك يحاول الشاعر أن يزرع في نفسه الأمل والطمأنينة بأنّه لا بد وملاقي أحبابه وعائد إلى أرضه وطنه وأهله وسيعيش مع من يحب لا محالة، إلا إن جاء الموت وخطف منه مَن يحب فهذا أمر فوق إرادته والله غالب على أمره، وهذا يدل على حجم اليأس الذي يتسلل إلى روحه طاعنًا بقلب الأمل.
الدلالة اللغوية لقصيدة لا تعذليه
لقد استعمل ابن زريق في قصيدته معجمًا لغويًا فذًا ومميزًا منقطع النظير في وصف الألم والحزن الذي يعتصر قلبه وفؤاده جراء المأساة الحقيقية التي عاشها في البعد عن الأهل والزوجة والفراق الليم، وقد استعمل الكثير من المفردات التي تعبر عن ذلك الأم مثل: “قضاء اللهن أستودع الله، مزمع، قمرن بغداد” واستعمال لفظة بغداد في الشعر يدل دلالة واضحة على ارتباط الشاعر بذلك المكان الذي عاش فيه وولد فيه وامرأته فيه وما خروجه منه كان إلا بقصد الرزق الذي قصده في كل مكان ولم يجده.
إنّ الحنين الذي يعانيه الشاعر في غربته صوّر تمامًا من خلال مجموعة من الكلمات الرقيقة في متن القصيدة حين قال على سبيل المثال: “يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ” وتلك اللوعة ظهرت على شكل تلك القصيدة العصماء التي سطرت حتى هذه اللحظة، بمعنى آخر فقد تناسب المعجم اللغوي مع الغرض الذي اراد الشاعر أن يوصله للمتلقي.
الصورة الشعرية في قصيدة لا تعذليه
إنّ الشعر العربي هو بمثابة الصورة المتحركة التي تصور للإنسان ما لم تره عينه وتثير فيهه الخيال وتثير فيه كل شيء جميل، وفيما يلي سيكون الكلام عن بعض الصور الشعرية الخاصة بهذه القصيدة:
-
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ .. فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ : جعل الخطوب مثل الإنسان الذي يضيق شيئًا أو يوسعهن استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
-
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً وَلَو إِلى السِّندِ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ: في هذه الصورة جعل الزمان مثل الإنسان الذي يري غيره شيئًا ما أو يمنعه عن تلك الرؤية، وهذا ما يسمى بالضبط استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ: جعل المطامع مثل الإنسان الذي يرغب في شيء ما أو يجحم عنه، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ: فقد جعل من النوى شيئًا يروع الآخرين ويخوفهم وكأنه مثل الشبح او مثل الإنسان الذي يحمل في يده شيئًا يروع به، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ: قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ: هنا يُشبه الشاعر العذل بالشيء الذي يولع الإنسان ويؤلمه ويحزنه، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
مقالات قد تهمك
إن الشعر العربي هو الأداة الفاعلة التي استطاعت أن ترسم وجه الجزيرة بل العرب برمتهم في ذلك العصر، ولعل من أشهر المقالات التي توقف مع القصائد العربية ما يلي:
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقال شرح قصيدة لا تعذليه لابن زريق البغدادي وما اهم الافكار فيها وتكلمنا فيه عن معلومات واسعة وهامة عن الصور الفنية الخاصة بالقصيدة وما هي أجمل المعاني التي طرحها الشاعر في قصيدته وغير ذلك.
التعليقات