عناصر المقال
شرح قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان لأبي البقاء الرندي هذه القصيدة الأندلسية الشهيرة التي وثقت غرضًا جديدًا من أغراض الشعر العربي وهو رثاء المدن، حيث كُتبت هذه القصيدة في رثاء المدن الأندلسية التي كانت تسقط واحدة تلو الأخرى حتّى خرج المسلمون العرب من الأندلس إلى الآن، وفي هذا المقال سوف نمر على كاتب هذه القصيدة وهو الشاعر أبو البقاء الرندي، وسوف نقدم شرحها ومناسبتها والصور الفنية الموجودة فيها ومعاني المفردات الصعبة، كما سوف نلقي الضوء على رابط تحميل ملف بي دي إف يتضمن شرح هذه القصيدة.
كاتب قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان
إنّ كاتب قصيدة لكل شيء إذا ما تم نقصان هو الشاعر الأندلسي أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرُّنْدِي الأندلسي المولود في سنة 601 للهجرة وهي السنة التي وافقت عام 1204 ميلادية، وهو من قبيلة رندة في الأندلس وإليها يرجع نسبه، عاش الشاعر أبو البقاء الرندي في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، فكان شاهدًا على سقوط الكثير من المدن والممالك العربية في يد الإسبان، وهو شخص مجهول، لم يكتب عنه المؤرخون لولا قصيدتُه التي رثى فيها الأندلس وهي نونية شهيرة.
كان أبو البقاء الرندي من حفظة الحديث الشريف، وكان فقيهًا له من البلاغة والفصاحة والبيان ما له، وقد كتب الشعر فأبدع فيه وأبدع في المدح الغزل والوصف والزهد والرثاء خاصة رثاء المدن، ونونية التي جرت على كل لسان في المشرق والمغرب، وجدير بالقول إنّ عبد الملك المراكشي قال عن أبي البقاء الرندي في كتابه الذيل والتكملة: “كان خاتمة الأدباء في الأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام ونثره فقيها حافظًا فرضيًا له مقامات بديعة في شتى أغراض شتى وكلامه نظمًا ونثرًا مدون”، وقد توفي رحمه الله تعالى في سنة 684 هجرية وهي السنة التي وافقت عام 1285 ميلادية. [1]
شرح قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان
إنّ قصيدة لكل شيء إذا ما تمّ نقصان هي من القصائد الشعرية المعروفة في الأدب الأندلسي والتي اشتهرت في هذا العصر بشكل كبير بوصفها شاهدًا على رثاء المدن في الأدب، وهي قصيدة تتألف من ثلاثة وأربعين بيتًا، كتبها الشاعر أبو البقاء الرندي على البحر البسيط، وفيما يأتي نذكر بعض أبيات هذه القصيدة ونشرحها:
-
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ / / / فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ / / / مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ / / / وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتماً كُلَّ سابِغَةٍ / / / إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
يبدأ الشاعر أبو البقاء الرندي في هذه الأبيات بالحكمة؛ فيقول: إنّ لكل شيء في هذه الحياة نقصان حتّى لو توهم الإنسان أنّه تم، فليس على الإنسان أن يغترّ بطيب العيش، فطيب العيش مستحيل، لأنّه لا يوجد في الدنيا كمال تام، بل دائمًا هناك نقص، والأحوال في الدنيا متقلبة يوم يُسر به الإنسان ويومٌ يُساء فيه، وهذه الدنيا لا يستمر فيها أحد، ولا يدوم فيها أحد على حاله.
-
فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ / / / وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ
وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها / / / وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ / / / هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
يقول الشاعر أبو البقاء الرندي في هذه الأبيات: إنّ المصائب التي يأتينا بها الدهر متنوعة ومختلفة، والزمان متقلب بين مسرات وأفراح وأحزان ومصائب، وكل حادثة لها ما يصبر المرء عليها، ولكن ما حلّ بالإسلام في بلاد الأندلس من مصائب ومن هزائم على يد الإسبان ليس لها أمر يصبر المرء عليها، ثم يقول: دهى الجزيرة أي أصاب شبه الجزيرة الإيبيرية وهي الأندلس أمر لا يوجد فيه عزاء ولا تصبير، فهو أمر جلل يفنى لهوله جبل أحد وينهد لشدته جبل ثهلان الموجود في نجد في شبه الجزيرة العربية.
-
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ / / / وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم / / / مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ / / / وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما / / / عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
في هذه الأبيات يبدأ الشاعر بسرد ما حل بالمدن الأندلسية، فيقول: اسأل بلنسية وهي مدينة على ساحر البحر المتوسط ما حل بمدينة مرسية وما حصل بشاطبة وجيان وما حصل بقرطبة حاضرة العلم والثقافة والتاريخ تلك المدينة التي سما بها العلماء واشتهروا فيها، وأين حمص وحمص هذه هي مدينة إشبيلية التي كانت تُسمّى حمص عند الأندلسيين، فأين نهر أشبيلية الفياض والملآن، ثم يقول: هذه المدن كنّ أركان البلاد وأركان الحكم الإسلامي في الأندلس، فكيف يبقى المسلمون إذا لم تبق هذه الأركان هناك.
-
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ / / / قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما / / / فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ / / / حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يقول في هذه الأبيات إن بلاد الأندلس كادت تخلو من الإسلام واستبدل الكفر بالإسلام فيها، فالمساجد في الأندلس تحولت إلى الكنائس فيها النواقيس وفيها الصلبان، ثم يقول حتّى المحاريب وهي جمع محراب وهو المكان الذي يصلي فيه الإمام في المسجد؛ يقول: حتّى المجاريب تبكي وهي جامدة لا روح فيها، وحتّى منابر الخطباء في المساجد تبكي وهي خشب لا روح فيه، ولكنه يبكي لعِظم الأمر وهول المصيبة.
-
يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ / / / أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً / / / كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ
وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ / / / لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ
أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ / / / فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم / / / قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ
ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ / / / وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ
في هذه الأبيات يبدأ الشاعر باستنصار أهل عدوة المغرب من المرينيين من أجل نصرة أهل الأندلس وإدراك البلاد، وهذا ما حصل مرارًا في التاريخ الإسلامي في الأندلس والمغرب، حيث نصر المرابطون المسلمين في الأندلس في زمن ملوك الطوائف وتحديدًا في زمن المعتمد بن عباد، فيقول الشاعر: يا أيها الملك يا ملك المرينيين أدرك بسيفك أهل الكفر في الأندلس وردهم عن بلاد المسلمين، ثم يقول يا أيها الأبطال الراكبون عتاق الخيل، يا من ترتعون وراء البحر في عز وسلطان، هل جاءكم نبأ عن أهل الأندلس وما حل بهم، فقد انتشر خبر الأندلسيين بين الناس، ها نحن نستغيث بكم فلماذا هذه الفرقة ولماذا هذا التقاطع بين المسلمين يا عباد الله، والمسلمون إخوان في الإسلام.
-
يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم / / / أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ
بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم / / / وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم / / / عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ / / / لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما / / / كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ
لِمثلِ هَذا يذوبُ القَلبُ مِن كَمَدٍ / / / إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
يتحدث هنا الشاعر عن أحوال ملوك الأندلس، وكيف تغيرت أحوالهم بعد الملك إلى الذلة والهوان، وكيف كانوا بالأمس ملوكًا في بلادهم ومنازلهم وصاروا الآن عبيدًا عند الكافرين، ثم يقول: لو رأيت ملوك الأندلس اليوم لن تعرفهم، فقد لبسوا من ثياب الذل والهوان ألوانًا شتّى، ولو رأيت الأمهات والأطفال كيف حيل بينهم، أي فُصل بينهم فصارت الأم تفارق ولدها ويفارقها بالموت أو السبي أو الأسر، لذاب قلبك من شدة الكمد والحزن، إن كان في القلب إسلام وإيمان.
مناسبة قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان
كتب الشاعر أبو البقاء الرندي قصيدة لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصان في رثاء مدن الأندلس، كتبها حين كانت مدن الأندلس تتهاوى وراء بعضها، كتبها وهو يرثي بلاد المسلمين في الأندلس تلك البلاد التي كانت تسقط بلدة تلو الأخرى ومدينة وراء أخرى والمسلمون وحكامهم لا يجدون في أيديهم حيلة يقارعون بها هذه الطامة الكبرى والمصيبة العظيمة، وعلى الرغم من أنّ أبا البقاء الرندي كتب هذه القصيدة قبل السقوط بقرون؛ وتحديدًا عندما بدأت ملامح السقوط بالظهور وعندما بدأت بعض المدن بالسقوط إلى الأبد، إلّا أنّه كان يرى حال المسلمين ويرى أن الإصلاح بعد ما حدث بين المسلمين في الأندلس صار بعيدًا ومستحيلًا، ورأى أنّ البلاد في طريقها إلى السقوط وهذا ما حدث فعلًا بعد ذلك بسنوات.
الصور الفنية في قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان
وردت في قصيدة رثاء الأندلس للشاعر أبي البقاء الرندي العديد من الصور الفنية الرائعة، نذكر منها ما سيأتي في النقاط الآتية:
- في قول الشاعر: (مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ) شبه الشاعر الزمن بالإنسان الذي يبعث السرور أو السوء؛ فحذف المشبه به وهو الإنسان وكنّى عنه بشيء من صفاته على سبيل الاستعارة المكنية.
- في قول الشاعر: (حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ / / / حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ) شبه الشاعر المحاريب والمنابر في المساجد بالإنسان الذي يبكي، فحذف المشبه به وهو الإنسان وكنّى عنه بشيء من صفاته على سبيل الاستعارة المكنية، وهذه الصور تدل على عِظَم البلاء الذي حل بالأندلس.
شرح مفردات قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان
وردت في قصيدة لكل شيءٍ إذا ما تمّ نقصان العديد من المفردات الصعبة التي تتطلب شرحًا حتّى تتوضح للقارئ، نذكر منها ما سيأتي:
- المحاريب: هي جمع لكلمة محراب وهو المكان الذي يصلّي به الإمام في المسجد.
- سلوان: أي ما يُصبّر في أوقات الحزن والهم.
- حيارى: أي تائهون محتارون.
- التقاطع: أي القطعية.
شرح قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان pdf
يسعى الكثيرون إلى الحصول على شرح قصيدة لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصان للشاعر أبي البقاء الرُّندي بصيغة ملف بي دي إف وذلك من أجل سهولة الاطلاع على هذه القصيدة ومن أجل سهولة طبعها على ورق، فمن أراد تحميل هذا الملف يمكن تحميله بشكل مباشر “من هنا“.
مقالات قد تهمك
إلى هنا نصل إلى نهاية وختام هذا المقال الذي مررنا فيه بالتفصيل على أبي البقاء الرندي ثم مررنا على شرح قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان لأبي البقاء الرندي وتحدثناعن مناسبة هذه القصيدة والصور الفنية وشرح المفردات الصعبة فيها، وقدمنا رابط ملف بي دي إف يتضمن شرح هذه القصيدة.
المراجع
- ^ wikiwand.com، أبو البقاء الرندي، 06/09/2023
التعليقات