لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم

لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم، إنَّ اللُّغةَ العربيَّةَ -الَّتي اختصَّها اللهُ سبحانَهُ وتعالى دونَ سواها من اللُّغات بقرآنهِ الكريمِ- بحرٌ يُعرفُ مُبتداهُ ولا يُدركُ مُنتهاهُ مهما سعى السَّاعونَ إلى ذلك؛ فهي اللُّغة الوحيدةُ في الأرضِ الَّتي كلَّما تعمَّقنا في بحرِها نشعرُ أنَّنا ما زلنا حائرينَ وعالقينَ على شطآنِهَا نسألُ أنفُسَنا أسئلةً عن تفاصيل هذا البحر ومكنوناتهِ، ومن الأسئلةِ كثيرةِ الدَّورانِ على ألسنةِ طلَّابِ العلمِ والباحثينَ: لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم؟ وفي هذا المقال سنغوصُ -معكم- في بحرِ هذهِ اللُّغة الشَّريفةِ للبحث عن إجابةٍ علميَّةٍ دقيقةٍ عن هذا السُّؤال.

تعريف الهمزة

نتطرَّق إلى تعريف الهمزة، فالهمزة هي: من حيث الكتابة رأسُ عينٍ صغيرةٍ (ء)، وهي حرفٌ صحيحٌ صامتٌ، تقبلُ الضَّبط فتجيءُ مفتوحةً أو مضمومةً أو مكسورةً، ولها أشكالٌ عدَّة (أ/ ؤ/ ئ/ ء) فإذا رُسِمت على الألف (أ) سُمِّيت الألف اليابسة، مثل: أعطى، وتقابلها الألف اللَّيِّنة السَّاكنة (اْ، ىْ)، مثل: قال، دعا، رمى، والألف اليابسة تأتي في أوَّل الكلمة، ووسطها، وآخرها، أمّا الألف اللَّيِّنة فلا تأتي في أوَّل الكلمة؛ لأنَّها ساكنة، ولا يكون أوَّل الكلمة إلَّا متحرِّكاً.^[1]

شاهد أيضًا: لماذا سميت الألف اللينة بهذا الاسم

لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم

اختلفَ العلماءُ حولَ السَّببِ الَّرئيسِ لتسميةِ همزةِ الوصلِ بهذا الاسم:^[2]

• فمنهم من رأى: أنَّ همزةَ الوصلِ سُمِّيتْ كذلكَ لأنَّها تَصِلُ ما قبلها بما بعدها في درجِ الكلام وتسقطُ منهُ؛ أي: إنَّها سُمِّيتْ كذلكَ لأنَّها تُشبهُ الجسر الَّذي يصل من خلالِهِ الحرف الَّذي قبلهُ بالحرفِ الَّذي بعدهُ.
• ومنهم من رأى: أنَّ همزةَ الوصلِ سُمِّيتْ كذلكَ لأنَّ اللِّسانَ يصلُ من خلالِهَا إلى نُطقِ الحرفِ السَّاكنِ الَّذي يليها نطقاً سليماً ميسَّراً؛ ودليلُ ذلكَ أنَّ الحرف الَّذي يتبعُ همزةَ الوصلِ دائماً ما يكونُ ساكناً، مثل: (ازْدهار/ ارْتقاء/ الْسَّماء/ الْهواء/ الْبلاد…).

وكلا الرَّأيين السَّابقين صحيحٌ ومقنعٌ وأحدُهما متمِّمٌ للآخر وموصلٌ للإجابة عن سؤال: لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم؟!
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ أغلبَ العلماءِ يُجمعونَ على أنَّ الخليلَ بن أحمد الفراهيديّ هو أوَّل من سمَّى همزةَ الوصلِ بهذا الاسم.

الفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع

ويخطئ كثيرٌ من النَّاس في كتابة همزة القطع وهمزة الوصل، بسبب عدم معرفتهم بالفرق بينهما؛ لذا آثرنا في هذهِ الفِقْرة أن نُحدِّد هذا الفرق من خلال تعريف كلا الهمزتين تعريفاً دقيقاً على النَّحو الآتي:^[3]

تعريف همزة الوصل

تعرَّفُ همزةُ الوصلِ بأنَّها: ألفٌ زائدةٌ يُؤتى بها للتَّخلُّص من النُّطق بالسَّاكن في أوَّل الكلمة، فتُلفظ أوَّل الكلام، وتسقط إذا سُبقت بحرف أو كلمة، فتكتب الألف حينئذٍ ولا تلفظ، أمَّا حركتها:

• فتُكسر همزة الوصل إذا ابتدئ بها، إلَّا في (أل) التَّعريف.
• وتُضَمُّ همزة الوصل في أمر الماضي الثُّلاثيِّ المضموم عين مضارعه، مثل: اُنصُر، اُسكُن، اُكتُب، فإنَّ المضارع من هذه الأفعال مضموم العين: ينصُر، يسكُن، يكتُب. أي: إذا كان الحرف الثَّالث من فعل الأمر مضموماً بضمَّة أصليَّة، تكون همزة الوصل فيه مضمومة. أمَّا إذا كان الحرف الثَّالث مضموماً بضمَّة عارضة بسبب واو الجماعة فإنَّ الهمزة الأوَّليَّة تبقى مكسورة، مثل: اِرموا، اقْبضُوا، لأنَّ الأصل: ارمِ، اقضِ…
• وتُضمُّ همزة الوصل في ماضي الخماسيِّ المبنيِّ للمجهول، مثل: اُنتُصِرَ، واُنتُفِعَ، وفي ماضي السُّداسيِّ المبنيِّ للمجهول، مثل: اُسْتُغفِرَ، اُستُعمِلَ…

تعريف همزة القطع

أمَّا همزةُ القطعِ فتُعرَّفُ بأنَّها: همزةٌ ترسم فوق الألف في حالة الفتح والضَّمِّ (أَ، أُ)، وتحتها في حالة الكسر (إِ)، وتُثبت في أوَّل الكلمة خطَّـاً ولفظاً، ولا تحذف في درْج الكلام، أمَّا حركتها: فتقبل همزة القطع الحركات جميعها (الفتح، والضَّمَّ، والكسر) وليس لها ضابط غالباً؛ لأنَّها سماعيَّة.

شاهد أيضاً: لماذا سميت الهمزة المتطرفة بهذا الاسم

أهمية التمييز بين همزة القطع والوصل وأثر ذلك على المعنى

ينبغي لكلِّ امرئٍ ناطقٍ بالضَّاد أن يميِّز همزةَ الوصلِ من همزةِ القطعِ في كتابتهِ؛ وذلك لأسباب كثيرةٍ نُجملها في السَّببين الآتيين:^[3]

• أوَّلاً: إجادة كتابة الهمزات كتابةً سليمةً خاليةً من الأخطاء من أهمِّ القواعد الإملائيَّة الَّتي يجب على طالب العلم إتقانها قبل أيِّ شيءٍ آخر.
• ثانياً: الخللُ في كتابةِ همزتي الوصل والقطع يؤدِّي بالضّرورةِ إلى خللٍ في معاني كثيرٍ من الكلمات، فمثلاً: فعل الأمر (العب) الصَّحيح في كتابته أن تُكتبَ همزتهُ وصلاً وفي حالة كتابتها قطعاً (ألعب) تحوَّل فعلُ الأمر إلى فعلٍ ماضٍ واختلَّ المعنى كلِّيّاً، وكذلك كلمة (الإثنين) الَّتي تدلُّ على ثالث أيَّام الأسبوع إذا كُتبتْ بهمزةِ قطعٍ وفي حالة كتابتها بهمزة الوصل (الاثنين) صارت تدلُّ على العدد… وما إلى ذلك.

مواضع حذف همزة الوصل

تحذف همزة الوصل من ثلاثة مواضع، وهي:^[4]

همزة ابن وابنة

وهي همزة وصل تُرسم ألفاً، وتُثبتُ في المواضع الآتية:

• إذا لم تقع بين علمين، نحو: قال ابن المعتزّ: اللّهمَّ اجعله خالصاً لوجهك.
• إذا وقعت في أوَّل السَّطر في أثناء الكتابة ولو كانت بين علمين، مثل: عمرابن الخطاب أمير عادل.
• إذا جاءت كلمة (ابن، ابنة) مثنى، مثل: الأمين والمأمون ابنا هارون الرَّشيد.
• إذا فصل بينهما وبين العلم الأوَّل فاصل، مثل: مالكٌ عالم المدينة ابن أنس، وزيد هو ابن عليّ.
• إذا وقع (ابن، ابنة) خبراً لا نعتاً، وحينئذٍ يجب تنوين العلم الأوَّل، مثل: أنسٌ ابنُ مالكٍ، وكان خالدٌ ابنَ الوليد.
• إذا أُضيفت (ابن، ابنة) إلى ضمير، مثل: هذا خالدٌ ابنُك قد حضر، وهذه عائشة ابنتك مجتهدة.
• إذا أُضيف (ابن) إلى لفظ أبيه، نحو: كان زياد ابن أبيه من القادة المشهورين.
• إذا وقعت بين اسمين علمين، أو كنيتين، أو لقبين، بثلاثة شروط:
  – أن يكون العلم الثَّاني أباً أو أمّاً للأوَّل ولو بالشُّهرة، مثل: محمَّد بن عبد الله خاتم النَّبيّين، ومحمَّد بن مالك نحويّ كبير، إذ إنَّ مالكاً جدُّ محمَّد وليس أباه.
  – أن يكون (ابن، ابنة) نعتاً للعلم الأوَّل، نحو: عليُّ بنُ أبي طالب آخر الخلفاء الرَّاشدين، وعائشة بنةُ أبي بكر زوج النّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
  – ألَّا يفصل بين (ابن، ابنة) والعلم الأوَّل أيُّ فاصل، مثل: أنس بن مالك صحابيٌّ جليل، وعبد الله بن أمِّ كلثوم مؤذِّن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن فصل بينهما بالصِّفة -مثلًا- أُثبتت الهمزة، مثل: عليٌّ الكريم ابن محمَّد مجتهد.
• إذا وقعت (ابن، ابنة) بعد (يا) النِّداء تحذف همزة الوصل جوازاً، مثل: يا بن آدم، اتَّقِ الله.
• إذا وقعت بعد همزة الاستفهام تُحذف، مثل: أبْنك هذا؟ أبنتك هذه؟

همزة كلمة اسم

تحذف همزة الوصل من كلمة (اسم) في المواضع الآتية:

• إذا دخلت عليها همزة الاستفهام، مثل: أسمكَ محمَّد؟ أسمكِ فاطمة؟
• إذا جاءت كلمة (اسم) في البسملة الكريمة، محقّقة الشُّروط الآتية:
  – أن تُذكر البسملة كاملة: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، فإن ذكرت ناقصة أُثبتت الألف، كقولنا: باسمك اللَّهم، أو باسم الله، أو باسم الرَّحمن.
  – أن يكون متعلِّق الجارِّ والمجرور (باسم) من فعل أو شبهه محذوفاً، وإن جاءت البسملة كاملة، فإن ذكر المتعلَّق به صراحة لم تحذف ألف اسم، مثل: أتبرَّك باسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أو باسم الله الرَّحمن الرَّحيم أفتتح قولي.

همزة أل التَّعريف

تحذف همزة الوصل من (أل التَّعريف) في المواضع الآتية:

• إذا دخلت عليها همزة الاستفهام؛ لأنَّها تُقلب مدَّة، فإذا قلت: أالعلم؟ فإنَّ الهمزة المفتوحة مع الألف السَّاكنة تصير مدَّة، فتكتب: آلعلم أفضل أم المال؟
• إذا دخلت عليها اللَّام، واللاَّم أنواع:
  – لام التوَّكيد المزحلقة، كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُۥ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
  – لام الابتداء، كقوله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ}.
  – لام الجّرِ المفتوحة، مثل: يا لَلكرم والعطاء!.
  – لام الجّرِ المكسورة، مثل: لِلفقراء حقٌّ في مال الأغنياء.
• إذا سُبقت أل التَّعريف بكلمة (على) محذوفة اللَّام والألف في لغة بعض العرب، فيقولون: عَلْمَاء بنو فلان، أي: على الماء بنو فلان.
• إذا سُبقت أل التَّعريف بكلمة (مِن) الجارَّة محذوفة النُّون في لغة بعض العرب، كقولهم: مِلْآن، ويعنون بها: مِن الآن.
• إذا سُبقت بكلمة (بنون) أو (بنين) محذوفة والواو والنُّون في لغة بعض العرب، كقولهم: بلعنبر، بلحارث، ويعنون بها: بنو العنبر، وبنو الحارث.
• تحذف ألف أل التَّعريف من لفظ الجلالة (الله) مسبوقاً باللام: لِلّه، كقوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}.
• تحذف ألف أل التعريف من أوَّل الأسماء الموصولة إذا سُبقت بلام الجرِّ أو التَّوكيد: للَّذي، للَّتي، للَّذين، مثل: لَلَّتين صدقتا أحقُّ بالمكافأة.

شاهد أيضاً: لماذا سميت اللغة العربية بلغة الضاد

دخول همزة الاستفهام على همزة القطع

إذا دخلت همزة الاستفهام على همزة القطع فلا تُغيِّر من صورتها شيئاً ولا تُحذف، كقوله تعالى: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ}، وقد أجاز بعض العلماء أن تكتب همزة القطع على حرف يجانس حركتها إذا جاءت بعد همزة الاستفهام، كقولنا: أَأُنزل/ أَؤنزل، و: أإن/ أئِن؛ فالوجهان صحيحان؛ لأنَّ الوجه الثَّاني يجعلها همزة متوسِّطة ويعاملها معاملتها.^[3]

دخول الحروف على همزة القطع

ثمَّة حروف تدخل على همزة القطع ولا تُفقِدُها أوَّليَّتَها من حيث الحكم، وهي:^[3]

• باء الجرِّ، مثل: أيّ: فبأيِّ.
• أل التَّعريف، مثل: أصل/ الأصل، أهل/ الأهل.
• لام القسم، مثل: والله لأكرمنَّك، تالله لأضربنَّك.
• سين الاستقبال، مثل: أَكتب: سأكتب، ألعب: سألعب.
• لام التَّعليل، مثل: أنجح: أدرس لأنجح.
• لام الابتداء، مثل: أنت: لأنت مجتهد، و: إنَّك لأهل للنَّجاح.
• همزة الاستفهام، مثل: أنت: أأنت محمَّدٌ؟
• الفاء العاطفة، مثل: دخل محمَّد فأنس.
• لام الجرِّ، مثل: إقدام: أنت مثال لإقدام الشَّباب.

شاهد أيضاً: لماذا سميت الأفعال الخمسة بهذا الاسم

مواضع حذف همزة القطع

وكما تُحذفُ همزةُ الوصلِ من مواضعَ عدَّة فإنَّ همزة القطع تسيرُ سيرها في الحذف، ومن أشهر مواضع حذف همزة القطع ما يأتي:^[3]

• تحذف همزة القطع من أوَّل الكلمة رسماً ونطقاً من فعل الأمر من الأفعال: أخذ، أكل، أمر، لتصبح: خذ، وكل، ومُرْ.
• تحذف همزة القطع من وسط كل ِّكلمة تقع فيها ساكنة بعد همزة أخرى مفتوحة، لانقلاب السَّاكنة مدّاً بعد المفتوحة، وتكتب مدَّة فوق الألف: آكل، آمر، آخذ.

بهذا نكونُ  قد وصلنا -مع حضراتكم- إلى ختام مقالنا، وقد عرضنا لكم فيه الإجابة الدَّقيقة عن سؤال لماذا سميت همزة الوصل بهذا الاسم ثمَّ ركبنا معكم بحر اللُّغة العربيَّة الغزير ومررنا على أنواع الهمزات وتعريفها وفصَّلنا فيها تفصيلاً دقيقاً، نرجو أن نكون قد وُفِّقنا في عرض مادَّة مقالنا بين أيديكم، وأن تكونوا قد استمتعتم معنا في هذهِ الرِّحلة خفيفة الظِّلِّ.