عناصر المقال
شرح قصيدة إرادة الحياة والأفكار الرئيسية فيها، وهي من أشهر القصائد والتي قد نظمها الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، ويقصد بإرادة الحياة الطاقة النفسية التي تجسدها معاني القوة والشجاعة والتحدي ومواجهة الشدائد، والتي يدعو بها الشاعر الشعب لتحدي الاستعمار وطرده بلاده، وفي مقالنا الآتي سنتعرف على شرح قصيدة إذا الشعب يوماً أراد الحياة، أو كما يطلق عليها إرادة الحياة، وعلى أهم المعاني التي تحملها هذه القصيدة.
قصيدة إرادة الحياة أبو القاسم الشابي
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي، هو شاعر تونسي في نفحات أندلسية، ولد أبو القاسم الشابي يوم 24 فبراير/شباط 1909م في قرية الشابة في محافظة توزر عاصمة الواحات بالجنوب التونسي، نشأ في أسرة متدينة مثقفة، تخرج أبوه محمد الشابي فيه جامع الأزهر، وأصبح قاضياً، رافق أبو القاسم والده لما كان طفلا في جميع تنقلاته بين المدن التونسية التي عمل بها، ما أكسبه معرفة بالكثير من المناطق وخلق لديه حباً كبيراً بجمال الأماكن التي زارها، قرأ الشابي العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية، وعلت شهرته، ومات شاباً وهو في 25 من العمر يوم 9 أكتوبر/ تشرين الأول 1934م بمستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة تونس (المستشفى الإيطالي سابقا) بعد صراع طويل مع مرض القلب، وحزن عميق على موت والده، ودفن في روضة الشابي بقريته، من أشهر أعماله ديوان أغاني الحياة، والخيال الشعري عند العرب، وقد كتب جزءاً من مذكراته، وله مقالات أدبية وأشعار متنوعة نشرها في مجلة “أبولو” المصرية التي كانت باب شهرته إلى العالم العربي.[1]
أبيات قصيدة إرادة الحياة
قصيدة إذا الشعب يوماً أراد الحياة هي من ديوان الشاعر “أغاني الحياة” نظمها في 16 أيلول / سبتمبر سنة 1933 م، وهي قصيدة عامة، من الشعر العمودي، وعلى وزن البحر المتقارب وهو بحر يصلح للسرد والتعبير عن العواطف الجياشة، وهذا ظاهر وجلي في أبيات القصيدة، ومن قافية الراء (ر)، وعدد أبيات هذه القصيدة هو 36 بيتاً، وفيما يأتي نعرض بعض من هذه الأبيات: [2]
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ ::: فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي ::: ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ ::: تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ ::: من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ
كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ ::: وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ
ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ ::: وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ ::: رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ ::: ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ ::: يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ ::: وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ
وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرُّعودِ ::: وعزفِ الرّياحِ وَوَقْعِ المَطَرْ
وقالتْ ليَ الأَرضُ لما سألتُ ::: أيا أمُّ هل تكرهينَ البَشَرْ
أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ ::: ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ
شرح قصيدة إرادة الحياة
تعد هذه القصيدة إحدى أشهر القصائد المنادية بالحرية والثورة والحياة، وفيما يأتي نعرض شرحاً لبعض أبياتها:
- إذا الشعب يومًا أرادَ الحياةَ ::: فلا بدَّ أن يستجيبَ القدرْ
كان اهتمام الشاعر في القصيدة بالثورة على الاستعمار، وتوضيح أن السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف هو إرادة الشعب وطموحه وسعيه لعيش حياة كريمة وطرد الاستعمار من أرضه، وعندها لابد للأمور أن تجري وفق إرادته، وتستجيب لسعي الشعوب في طلب حريتها.
- ولا بدَّ لليلِ أن ينجلي ::: ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسِرْ
وبعد ذلك يبين الشاعر أن الاستعمار زائل لا محالة، وأن الاحتلال ستتقلب عليه الأيام ويمحى من الأرض، فلابد لظلام الليل وظلم الاستعمار أن يختفي ويزول، ولابد للقيود أن تتكسر تحت إرادة الشعوب.
- ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ ::: تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
صور الشاعر شوق الحياة بالإنسان الذي يعانق، وصور زوال الإنسان وهلاكه بالتبخر الذي يخرج من السائل ولا يترك أثرا في نهاية تبخره.
- كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ ::: وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ
وصف الشاعر الكائنات الكونية بأنه إنسان يتكلم ويخبر، ولها روح مختبأة مستترة تحدث الشاعر ويتعلم منها.
- ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ ::: وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ
صور الشاعر الرياح بالإنسان الغاضب، وصوتها يدوي في الطرقات والمنخفضات وفوق الجبال وتحت الشجر.
- إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ ::: رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
يقول الشاعر في هذا البيت بأن الإنسان إذا سعى لغاية في نفسه وبذل كل الجهود للوصول إليها، فإنه يرتدي لباس الموت ويخلع لباس لحذر والحيطة، ويمضي نحو غايته وطموحه.
- ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ ::: يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
صورالشاعر حال الإنسان الذي لا يحب الحياة الكريمة ولا يسعى لها، فيعيش حياته ذليلاً متعثراً بين الحفر ولا يقوى على النهوض.
- فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ ::: وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ
صورالشاعر قلبه الطموح وقد امتلأ بدماء الشباب حيوية ونشاطاً، كما صور الآمال التي يتمناها رياحاً تضج بصدره، والمقصود بذلك حبه للبذل والعطاء.
- وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرُّعودِ ::: وعزفِ الرّياحِ وَوَقْعِ المَطَرْ
صور الشاعر صوت الرياح صوت عود يعزف، وصور الشاعر صوت الرعود صوت تكسر الشجر، وصوت المطر صوت إيقاع رقص،أو غناء أو نشيد.
- هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ ::: ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ
يقول الشاعر في هذا البيت على لسان الأرض أنّ شأن الكون كله أنه حيّ يُحب الحياة وأن هذا هو القانون الطبيعي الذي تجري به الحياة، ويكره الشخص الذي يحيا بلا طموح لأنه إنسان ميت مهما كبر.
- فلا الأُفقُ يَحْضُنُ ميتَ الطُّيورِ ::: ولا النَّحْلُ يلثِمُ ميْتَ الزَّهَرْ
تبيّن الأرض سبب عدم قدرتها على التّفاعل مع الشخص الميت الذي لا طموح لديه من خلال طرح مثال على الطير الميت الذي لا يستطيع الأفق احتضانه؛ لأنّه لا يُحلّق إليه، والنحل لا يستطيع أخذ الرحيق من الزهرة الميتة، وكأنها تُخبره أنّ الكون لا يتفاعل معه؛ لأنّه كالميت.
- لِطَيْفِ الحَيَاة الَّذي لا يُملُّ ::: وقلبُ الرَّبيعِ الشذيِّ الخضِرْ
صور الشاعر الإنسان الذي يعرف سر وجوده في الحياة، ويسعى دون ملل أو كلل نحو طموحاته، كالذي يعانق طيف الحياة وجمال الربيع الأخضر.
- ظمِئْتُ إلى النُّورِ فوقَ الغصونِ ::: ظمِئْتُ إلى الظِّلِّ تحتَ الشَّجَرْ
صور الشاعر الإنسان الطموح بأنه إنسان ظمآن وعطشان لرؤية النور والضوء وهو يجلس على أعالي الشجر وفوق الأغصان للدلالة على علو همته، وأنه يسعى للهدوء والجلوس بطمأنينة تحت ظل الأشجار.
تحليل قصيدة إرادة الحياة
فيما يأتي نعرض تحليل قصيدة إرادة الحياة سهل ومبسط:
- قصيدة إرادة الحياة هي قصيدة وطنية ذات أبعاد إنسانية كونية يخرج فيها الشابي عن البعد المحلي و الوطني لينفتح على القيم الإنسانية التي تعبر عن الإنسان الحر رغم انها كتبت في زمن الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية.
- الذي يشغل أبو القاسم الشابي في هذا النص هو الإنسان بشكل عام ومطلق بعيداً عن حدود الجنسية والعرق واللون والدين واللغة.
- في هذه القصيدة العديد من اللأمور البلاغية والتشابيه والاستعارات المكنية فقد شبه الشابي في هذه القصيدة القدر مثل الإنسان الذي يستجيب لأمر ما أو يعرض عنه، وجعل الشوق مثل الإنسان الذي يُعانق غيره، وجعل الريح مثل الإنسان الذي يُدمدم، وجعل المنى مثل الشي الذي يُركب، وكما جعل الأرض مثل الإنسان الذي يقول لغيره وينتظر الإجابة، وجعل الأفق مثل الإنسان الذي يحضن غيره، وجعل النحل مثل الإنسان الذي يلثم ويقبل الزهر.
- اعتمد الشاعر أسلوب التعميم والشمولية والاطلاق في مخاطبة الإنسان، وذلك لبث الحكمة والإشادة بقيم معينة عن طريق استعمال تراكيب شرطية مثل: “إذا … فلا بد”، “من لا يحب … يعش”، وهي من الأساليب المقنعة للقارئ المستهدف وهم الشعوب وتؤثر فيهم لكونها تعطي السبب والنتيجة.
- الشاعر أبو القاسم الشابي يخاطب في قصيدته الشعب التونسي وكل الشعوب المضطهدة في تاريخ البشرية، ويعطي القصيدة طابع إنساني مطلق من خلال تخصيص وتعميم المخاطب فيها.
- لم يخرج الشابي في هذا النص عن إستلهام معانيه الوطنية مما دأب عليه في نصوصه الاخرى وهو العودة الى الطبيعية وعناصرها، حيث يراوح الشابي بين البعد الانساني الكوني و البعد الوطني الضيق.
- لجأ الشاعر الشابي في قصيدته إلى أسلوب التضاد لتصوير مدى الإضطراب الذي تعانيه النفس فيما يعتريها من أهوال وخطوب ، وهذا ظاهر في ألفاظه : (تنمو – تذوي)، (الحياة – الموت)، (أبارك – ألعن)، (فوق – تحت) .
- بدأ الشاعر قصيدة إرادة الجياة وأنهاها بحكمة بليغة وهي أن استجابة القدر رهينة بالشعب الذي يملك الإرادة للحياة.
الأفكار الرئيسية في قصيدة إرادة الحياة
وردت مجموعة من الأفكار الرئيسة في قصيدة إرادة الحياة ومن أبرزها ما يأتي:
- الإرادة والعزيمة تُحقق المراد.
- السكون من شأن الحجر لا البشر.
- السعي والعمل الجاد يُغير ظروف للحياة.
- الظلم زائل لا محالة سواء شاء الظالمون ذلك أم لم يشاؤوا.
- طالب الطموح لا بدّ أن يصل إليه في يوم من الأيام.
- الإنسان الذي يطمح بالأفضل تبارك الحياة له المغامرة.
- الأمل هو صنارة الإنسان في هذه الدنيا، فلو فقدها لفقد ذاته.
- مظاهر الكون كلها مخلوقة من الأمل وتكره اليأس.
- تعاقب الفصول على هذه الأرض قدر من الله، ومثله تعاقب الفصول في حياة الإنسان.
- يستنهض الشاعر همم شعبه نحو الارادة مستلهما إياها من الطبيعية.
- يجب على الإنسان أن يكون جريئاً، صامداً في وجه الشدائد، طموحاً إلى العلا، لأن الأرض نفسها تكره الجبناء المتراخين عن طلّب القمم ، فما بالك بالذين يرضون بالذل والاستعمار .
- الإرادة الإنسانية هي فعل قاهر للمستعمر والأقدار.
معاني مفردات قصيدة إرادة الحياة
فيما يأتي نعرض معاني بعض المفردات الصعبة في قصيدة إرادة الحياة:
- دمدم: تكلم وهو غاضب .
- الفجاج: الطريق الواسع بين جبلين .
- وعور الشعاب: ما عظم من سواقي الأودية .
- كبة اللهب: معظم النار .
- الرؤوم: الأم التي تعطف على ولدها .
- ينجلي: ينكشف.
- اندثر: لم يبقَ منه شيء.
- الدّجى: ظلام الليل.
- الطموح: رغبة شديدة لتحقيق شيء.
- مستتر: خفيّ وغير ظاهر.
- الحذر: الحرص الشديد.
- دهر: مدة الحياة الطويلة.
- عجّت: اشتدت فأثارت الغبار.
- ضجّت: ثارت وصاحت.
- أطرق: مال برأسه وسكت.
- أصغى: استمع بدقة.
- يلثم: يُقبِّل.
- تترنم: تتغنى في طرب.
- المروج: الأرض الواسعة ذات نبات ومرعى للدواب.
- تلاشت زمر: خارت وانحطت من التعب.
- المدر: الطين اللزج والمتماسك.
مقالات قد تهمك
وفيما يأتي نعرض جدولاً يحتوي على شرح وتحليل لأشهر القصائد في الأدب العربي الجاهلي والحديث:
وإلى هنا أعزاؤنا زوار موقع تصفح، نكون قد وصلنا إلى ختام مقالنا الذي بين شرح قصيدة إرادة الحياة والأفكار الرئيسية فيها أبو القاسم الشابي، وتحليلها، بالإضافة إلى بيان بعض الأفكار الرئيسية للقصيدة ومعاني أهم المفردات فيها، وقصيدة إرادة الحياة طبعت في قلب كل ثائر حر ينشد الأمل والحياة الكريمة، ويسعى للخلاص من ظلم الاستعمار والاحتلال.
المراجع
- ^ aldiwan، أبو القاسم الشابي، 26/08/2023
- ^ aldiwan، إذا الشعب يوماً أراد الحياة، 26/08/2023
التعليقات