عناصر المقال
لماذا سميت سورة الجاثية بهذا الاسم، فالقرآن الكريم هو منهج المسلمين الخالد إلى يوم القيامة، وهو الدستور الأول والرئيس الذي يعود إليه الإنسان لاستنباط الأحكام الشرعية، ومن الجدير بالذّكر أنّ آياته نزلت لتكون هداية وشفاءً للصدور، كما أنّه سببًا في علوّ الدرجات في الدنيا والآخرة، وهو العامل الوحيد الذي توحّد من خلال آياته المسلمين، ممّا يُشكّل الوجهة الرئيسة لدى المسلم لمصالحه الدّينية والدنيوية، وسورة الجاثية هي إحدى السور التي ورد فيها العديد من المقاصد والأهداف التي تجعل المسلم يقف ساعيًا في حياته من أجل الفوز يوم القيامة.
لماذا سميت سورة الجاثية بهذا الاسم
سميت سورة الجاثية بهذا الاسم؛ لأنها تحدثت عن اجتماع كافّة النّاس يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى لمحاسبتها على ما فعلته في الحياة الدنيا، حيث تكون كافّة الأمم جالسة على ركبها من شدّة الخوف والتوتر، بسبب مشاهدة أهوال بدء يوم القيامة وأحداثها المرعبة، ودليل ذلك قوله تعالى في محكم تنزيله: “وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”،[1] وسورة الجاثية تُسمّى أيضًا بسورة الشريعة، والسبب في ذلك؛ أنها تضمنت الحديث عن كافّة الشرائع السابقة والتي نسختها شريعة الإسلام وبقيت الأمّة عليها، حيث يقول الله سبحانه: “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”،[2] بالإضافة إلى أنها تسمى أيضًا بسورة الدّهر؛ لحديثها عن نهاية العالم وأهوال يوم القيامة كما ذكرنا سابقًا.[3]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الجن بهذا الاسم
ما معنى كلمة الجاثية وما هو موضع ورودها
ورد عن بعض العلماء أنّ سورة الجاثية لها خمسة معانٍ، وسيتمّ فيما يأتي بيانها بصورة تفصيلية:[4]
- المعنى الأول: الجاثية بأنّها الشخص المستوفز أو المستوفزة، وهو الذي يجلس على ركبتيه ولا يستطيع الوصول إلى الأرض إلا بهذه الوضعية، وورد أيضًا أنّ معنى الجاثية هو الشخص الذي يُصيب الأرض في أطراف أنامله، بسبب الخوف الشديد من مصاب أهوال يوم القيامة.
- المعنى الثاني: الجاثية بأنهّا المجتمعة، وهو المعنى الأشهر وعليه أهل العلم ورجّحه ابن عبّاس، أيْ النّاس المجتمعة والخائفة من أحداث يوم القيامة.
- المعنى الثالث: الجاثية بمعنى المتميزة، أيْ اليوم الذي يبدأ الناس فيه حسابهم لذلك يكون مميزًا، ذهب إلى هذا القول عكرمة.
- المعنى الرابع: الجاثية أيْ الجلوس الكامل على الركب، وهو ما ذهب إليه الحسن.
- المعنى الخامس: الجاثية جاءت في معناها الأخير بالذليلة والخاضعة.
التعريف بسورة الجاثية
أجمع أهل العلم أنّ سورة الجاثية من السور المكية باستثناء الآية الرابعة عشر فنزلت في المدينة المنورة، حيث نزلت في مكة المكرمة في أواخر حياة المسلمين، حيث كان ذلك قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة وبعد حادثة الإسراء والمعراج مباشرة، ويبلغ عدد آياتها سبع وثلاثين آية وهذا بالنسبة للعدد الكوفي، وست وثلاثين آية في العدد البصري، وافتتحت السورة الكريمة ببيان قدرة الله تعالى، حيث ذكر فيها قدرته في خلق الإنسان والدواب وقدرته في تسخير الأرض للكائنات، وتجدر الإشارة إلى أنّ السورة الكريمة تقع في الجزء الخامس والعشرين وترتيبها في المصحف العثماني السورة الخامسة والأربعين.[5]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الفيل بهذا الاسم
ما هي موضوعات سورة الجاثية
سيتمّ فيما يأتي بيان الموضوعات العامة التي تضمنتها سورة الجاثية:[6]
قدرة الله تعالى في الكون
بدأت السورة الكريمة بالأحرف المقطعة، لتكون دلالة على أنّ القرآن الكريم معجزٌ لا يستطيع أحد على الإتيان بمثله، والأحرف المقطعة معناها من علم الغيب وهنا يكمن الإعجاز العلمي، ثمّ تحدّث الآيات عن قدرة الله تبارك وتعالى بالخلق ووحدانيته بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، ثمّ تحدثت الآيات عن خلق السماوات والأرض، حيث أكدت الآيات أنّ الله تعالى خلقها مزيّنة بالمصابيح والجبال التي تدلّ على القدرة الإلهية وأنّه وحده الذي يستحق العبادة، ثمّ تناولت الآيات الحديث عن خلق آدم والإنسان بشكل عام، حيث يكون نطفة ثم علقة وهلمّ جرًا من أطوار خلق الإنسان، كما جاءت الآيات الدالة على خلق الدواب وبثها على الأرض.
تحدثت الآيات الكريمة أيضًا عن تسيير الله تعالى بنظام دقيق في تفاوت الليل والنهار، كما تحدثت عن إنزال المطر وأنّ الحياة لا تستمرّ إلا بنزوله، يقول تعالى: “وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”،[7]ومن آيات قدرة الله -تعالى- التي جاءت في السورة؛ الحديث عن قدرة الله على إخضاع البحر للناس وإبحار السفن فيه والاستفادة من ذلك وإخضاعه – سبحانه – لكل ما في السماوات والأرض باطنها وخارجها للاستفادة منها؛ كالشمس والقمر والجبال والبحار والنباتات والفواكه والمعادن الموجودة في بطن الأرض، وكل هذا يجب أن يكون دافعًا للإنسان للتفكير في قوة الله تعالى وقدرته وبالتالي عبادته كحق في العبادة.
التحذير من الكفر
بعد بدء سورة الجاثية بالحديث عن أدلة قوّة الله تعالى وقدرته في الخلق، ارتبطت هذه العلامات بالإيمان، حتى تكون سببًا لعبادة الأنسان، لذلك حذرت من الكفر بالله تعالى، وإنكار آياته والتفكر بفضل الله عز وجل ونعمه على عباده، حيث جاءت آيات قدرته على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك زيادة في التقدير والتكريم له ولأمته، فجاءت الآيات الشريفة بعد كل هذا من إصرار الكفار على موقفهم تنكر أفعالهم وتعاتبهم وتبيّن عاقبتهم يوم القيامة، وأما أجر الذين يصرون على كفرهم وبعدهم عن الحق، فمصيرهم العذاب الأليم، إثرًا على ما كسبه في الحياة الدنيا، وبذل من أجله جهده ونفسه، حيث لن يفيده أجره إلا النار بسبب كفره، واستهزائه بالحق، فرفضوا طريق الهداية رفضًا تامًا.
دعوة بني إسرائيل إلى طريق الحق
كرم الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بإرسال الرسل لهم يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وأعطاهم ما لم يعطه لأحد من قبلهم من النعم والفضائل، ولكن بسبب أعمالهم السيئة والمروعة لعنهم أنبياؤهم، وأعطاهم الله تعالى التوراة والإنجيل، وهو آخر كتاب سماوي نزل على بني إسرائيل، ورغم ذلك غيروا هذه الصحف وحرفوها، وتجاهلوا دعوة أنبيائهم، فكان أكثرهم يسيرون في تضليل الناس وتشويه طريق الهداية وتغييرهم وقتلهم فلما قاربت الآيات في التوراة التي تتحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعن القرآن بأنّه سينزل على النبي الكريم، كفروا به ولم يتبعوه لرغبتهم في أن يكون آخر نبي من بني إسرائيل.
الفرق بين العمل الصالح والخبيث
يقول تبارك وتعالى في محكم تنزيله: “أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ”،[8] قد بينت الآيات الشريفة أن أجر المحسنين لا يساوي أجر فاعلي الشر، سواء كان ذلك في حياتهم الدنيا أو في الآخرة.
ضلال الكافرين ومصيرهم
دلت الآيات الشريفة على أن اتباع الهوى والشهوات هو السبب الأول لكفر الإنسان، لذا فإن أجره من الله بتضليله عن الهدى، فلا يأبه بما يراه أو يسمعه من الأمور التي تدفعه إلى الهداية، فيكفر بالله تعالى، وينكر وجود اليوم الآخر، وإذا بدت له دلائل قوته وقدرته – سبحانه وتعالى – على البعث والجزاء، طالبوا رسلهم بالدليل المادي، واستهزؤوا برسلهم.
أحداث يوم القيامة ومشاهدها
كما تناولت الآيات الكريمة الحديث عن مشاهد يوم القيامة وأحوال أهله، فيثاب فيه المؤمنون خيرًا ويكون مصيرهم الجنة، ومصير الكافرين الذين أعرضوا عن اللجوء إلى الله تعالى وكذبوا بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- جهنم وبئس المصير.
شاهد أيضًا: لماذا سميت تكبيرة الاحرام بهذا الاسم
ما هي مقاصد سورة الجاثية
تدور مقاصد سورة الجاثية حول موضوعها الرئيس، وهو دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، واستقبالهم لهذه الدعوة، حيث استمروا بالجحود والعناد في مواجهة الآيات القرآنية الحكيمة وعلى الرّغم من وجود كافة الأدلّة والبراهين التي كانت ردًا قويًا على استكبارهم وكفرهم، ومن مقاصد السورة الكريمة؛ بيان أنّ القرآن الكريم معجز وأنّه منزّل من الله تعالى، بالإضافة إلى إقامة وحدانيته تبارك وتعالى من حيث الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ومن مقاصدها: تعليم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإرشاده لأمّته بأنّ المسامحة من الإيمان، ومن المقاصد أيضًا، إعطاء بني إسرائيل العديد من النعم والفضائل حتى يحملوا الشريعة الإسلامية ويحثوا على وحدانية الله تعالى، لكنهم جحدوا بذلك ولم يكونوا صالحين له.[9]
ما هو سبب نزول سورة الجاثية
لم يرد في السنة النبوية الشريفة نصٌ صريحٌ على سبب نزول سورة الجاثية، ولكن الآية الوحيدة التي ثبت سبب نزولها هي التي نزلت في الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث يقول تعالى: “قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”،[10] حيث نزلت عندما غضب من اليهودي الذي يُدعى فنحاص عندما قال: أين هو ربّ محمد، فأخرج عمر سيفه يريد قتله، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية الكريمة.[11]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الليل بهذا الاسم
ما هو فضل سورة الجاثية
لسورة الجاثية فضل عظيم كبقية السور القرآنية، والنصوص التي اختصت في فضل سورة الجاثية كلّها ضعيفة السّند، ومن أراد أن ينال الأجر من الله تبارك وتعالى فيقرأ السورة الكريمة بنية تدبّر معانيها واستخلاص الأحكام الواردة فيها وتطبيقها على أرض الواقع، بالإضافة إلى الاستجابة لما ورد في الآيات من التفكّر بقدرة الله تعالى في الكون والخلق والتأكيد على وحدانيته سبحانه.[12]
لماذا سميت سورة الجاثية بهذا الاسم سؤال أجبنا عليه فيما سبق، والسبب الرئيس في تسمية سورة الجاثية بهذا الاسم هواجتماع الناس جالسين على ركبهم خوفًا من أهوال وأحداث يوم القيامة، لذلك وجب على كلّ إنسان أن يرجع إلى الله تعالى بكافة جوارحه والتفكّر بقدرته في الخلق، وإفراده في الوحدانية.
المراجع
- ^ سورة الجاثية، الآية 28
- ^ سورة الجاثية ، الآية 18
- ^ shamela.ws، بين يدي سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ shamela.ws، تفسير سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ shamela.ws، سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ shamela.ws، موضوعات سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ سورة الجاثية، الآية 5
- ^ سورة الجاثية، الآية 21
- ^ islamweb.net، مقاصد سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ سورة الجاثية، الآية 14
- ^ islamweb.net، أسباب نزول سورة الجاثية، 18/12/2022
- ^ saaid.net، فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني، 18/12/2022
التعليقات