لماذا سميت سورة الكهف بهذا الاسم

لماذا سميت سورة الكهف بهذا الاسم، تُعدّ سورة الكهف السورة الثامنة عشر في ترتيب المصحف العثماني، وتأتي بعد سورة الإسراء، ويبلغ عدد صفحاتها بالنسبة لمصحف المدينة المنورة خمس صفحات ونصف، وكلّ صفحة تحتوي على وجهين، أيْ أنّ أوجهها تبلغ أحد عشر وجهًا، وجزء منها يقع في نهاية الجزء الخامس عشر، والأخرى في بداية الجزء السادس عشر، ومن الجدير بالذّكر أنّ سورة الكهف تتضمّن وقعًا مميزًا في القرآن الكريم؛ لأنها جاءت في منتصفه.

التعريف بسورة الكهف

نزلت سورة الكهف في مكة الكرمة بعد سورة الغاشية، وهي سورة مكيّة بالاتفاق، ويبلغ عدد آياتها مائة وعشر، وهي من السور التي بدأت بالحمد؛ لِما فيها العديد من المعجزات وتضمنت العديد من القصص المعبرة، حيث سمّيت بسورة المعجزة الرّبانية لورود قصة أصحاب الكهف وغيرها من القصص، كما أنّها احتوت الحديث على اليوم الآخر والبعث والحساب، وأنّ القرآن الكريم من عندالله تعالى ولا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله ولو بآية، كما حثّت السورة على توحيد الله تعالى ووجوب الإيمان بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.^[1]

لماذا سميت سورة الكهف بهذا الاسم

سميت سورة الكهف بهذا الاسم لاشتمالها على قصّة أصحاب الكهف، ونزلت هذه السورة الكريمة بسبب الشخص الذي كان يُكثر من إيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلّم- والذي يُدعى بالنضر بن الحارث وهو إحدى شياطين قريش، حيث كان يذمّ ويشتم الرسول الكريم ويهينه باستمرار، كما أنه كان يسرد للناس القصص الدعوية والروحانية التي كان هدفها التغطية على نشر الرسالة المحمدية بالطريقة السليمة، حيث كان يبعد الأنظار عن النبي عليه السلام.^[1]

وكان يقول لقومه أنّ محمدًا كان من الأمينين والصادقين قبل أن يأتي بهذا الأمر، وهو من خيرة رجال قريش، بالإضافة إلى أنّه ليس من السحرة أو الكهان، وهو ليس بمجنون ولا بشاعر، فقد سمعنا الشّعر من قبل أن يأتي ويدّعي النّبوّة، فنحن نعلم كيف يكون الشعر، كما أننا نعلم كيف يكون السحر وصفات الكهنة، ولا تظهر عليه أيضًا علامات الجنون، وبهذا الكلام حاول النّضر بن الحارث أن يلفت الأنتباه بهذا الكلام الذي يُعدّ بظاهره إيجابيّا بحق الرسول عليه السلام، لكنه يُخفي وراءه الكثير من الحقد والكره.^[1]

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الفيل بهذا الاسم

ما هو سبب نزول سورة الكهف

استمر النّضر بن الحارث بنصيحة قومه فأمره رئيس قريش هو وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود الذين يُسموا بالأحبار والذين يقيمون في المدينة المنورة، حيث قالت قريش أنّ هؤلاء الأحبار عندهم علم عن الأنبياء ليس عندنا من هذا العلم شيئًا، فهم أهل التوراة، فجاء النضر وعقبة إلى اليهود وسألاهم عن أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأمروهما بأن يذهبا إلى الرسول الكريم ويسألاه عن ثلاثة أسئلة، فإن أجاب عليها فإنّه حتمًا نبي مُرسل وعليكم اتباعه، وكانت هذه الأسئلة هي: عن الفتية الذين ذهبوا في الدهر الأول، وعن نبأ الرجل الذي طاف مشارق الأرض ومغاربها، وأمّا السؤال الثالث فهو عن الروح فما هي.^[1]

ذهبا في اليوم التالي إلى الرسول -عليه السلام- لسؤاله الأسئلة السابقة، فردّ عليهما الرسول الكريم بأنه يأتِهم بالإجابات غدًا، مع التنبيه إلى أنّه لم يقل إن شاء الله، فذهبا عنه، ومن هنا بدأت الأخبار السيئة تُشاع عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- بسبب تأخره بالردّ وهو ينتظر نزول الوحي عليه.^[1]

فحزن الرسول حزنًا شديدًا وبقي على حزنه ثلاثة أيام بسبب ما يُقال عنه في مكة المكرمة، فأنزل الله تعالى عتابه عليه بسبب عدم قوله إن شاء الله حيث يقول في محكم تنزيله: {وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدًا * إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَاذكُر رَبَّكَ إِذا نَسيتَ وَقُل عَسى أَن يَهدِيَنِ رَبّي لِأَقرَبَ مِن هـذا رَشَدًا}،^[2] ومن ثم جاء الوحي جبريل -عليه السلام- منزلاً بالإجابات التي كانت تنتظرها قريش، فأنزل الله تعالى سورة الكهف على الرسول صلى الله عليه وسلام متضمنة الإجابات على الأسئلة الثلاثة.^[1]

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الجن بهذا الاسم

القصص الخمسة الموجودة في سورة الكهف

اشتملت سورة الكهف على خمس قصص متضمّنة العبر العظيمة للأمم السابقة واللاحقة، وسيتمّ فيما يأتي التعرّف عليها:

قصة أصحاب الكهف

تتمحور قصة أصحاب الكهف حول ترسيخ العقيدة السليمة والخالية من الشوائب، والسعي إلى تحقيق رضا الله تعالى وتقواه، وتقديم الطاعات والأعمال الصالحة على غيرها، وقصة أصحاب الكهف تحدّثت عن الفتية الذي أَبوا الشرك بالله تعالى، حيث آمنوا بربهم إيمانًا شديدًا، ممّا زادهم الله تعالى من الإيمان والإرادة والرّشد، حيث وقفوا بقوتهم وثباتهم أمام الملك الظّالم، فذهبوا من العيش الرّغيد إلى الكهف؛ للابتعاد عن الفتنة التي تعرضوا لها؛ كإجبارهم على السّجود للأصنام واتّباعها، ففرّوا بدينهم متجهين للاختباء بالكهف، فزادهم الله تبارك وتعالى صبرًا ورزقًا وسترًا.^[3]

كما وفّر الله لهم سبل الحماية وهم نيام داخل الكهف، حيث لم يتأثروا من شدّة الشمس، وأصحاب الكهف معجزة ربانية تدلّ على أنّ المؤمن إذا سلك طريقًا يلتمس به تقوى الله وهدايته، هوّن عليه تبارك وتعالى المصاعب في الحياة، كما أرشده إلى طريق الرشد والحقّ وثبّته على ذلك ممّا ينال الأجر العظيم في الدنيا والآخرة، وأصحاب الكهف أكبر مثالاً لذلك رغم السنين التي مكثوا فيها داخل الكهف، حيث كانوا ينامون بعينيْن مفتوحتيْن وكانت أجسامهم تتجّه يمنة ويسرة، حتى لا يُصابون بالأذى، كما أنّ كلبهم كان يحميهم عند الكهف باسطٌ ذراعيه، وكانوا يتّصفون بالوقار والهيبة؛ فلو مرّ أحد من جانبهم لهربوا فزعًا وخوفًا.^[3]

يقول تعالى في محكم تنزيله: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا}،^[4] وعندما استيقظ أهل الكهف تساءلوا عن المدّة التي ناموا فيها، إن كانت ساعات أم أيامًا أم أشهرًا، والسبب الرئيس لتسالؤلهم، أنهم دخلوا في مطلع النهار وناموا في الكهف، وعندما استيقظوا كان الليل قد عمّ عليهم، فنظروا إلى أشكالهم وقالوا إن الله وحده يعلم بالمدّة التي مكثناها داخل الكهف، وبعد ذلك ذهب أحدهم بالمال الذي يملكه بعد التشاور لطلب الطعام دون أن ينتبه عليه أحد فيعرفه ويعيده إلى دائرة الفتن التي كانوا يتعرضون إليها من قِبل الملك الظالم.^[3]

قصة صاحب الجنتين

تتضمّن هذه القصة بوجود أخوين؛ أحدهما كافرًا والآخر مؤمنًا، وكان المؤمن قد ابتُليَ بالفقر الشديد بعد أن تصدّق بالمال الذي معه من أجل أن ينال الجر العظيم من الله تعالى في الدّنيا والآخرة، وأما الكافر فقد كان ثريًا ويملك المال الكثير، فجاء إليه أخاه الفقير ليطلب منه المال، فطرده وشتمه ونسي أنّ هذا الرّزق من الله تبارك وتعالى وأنّ بيده أن يجعله فقيرًا، كما أنّه قطع رحمه بطرد أخيه من عنده، وكانت النتيجة هي ظلمه لنفسه.^[5]

قصة آدم عليه السلام وإبليس

جاءت هذه القصة في الأية الكريمة: {وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِياءَ مِن دوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلًا}،^[6]  أمر الله تعالى ملائكته أن يسجدوا لآدم بعد أن خلقه، فاستجابوا لأمره تعالى باستثناء إبليس أبى ذلك استكبارًا وعنادًا.^[7]

قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح

إنّ الرجل الصالح المذكور في سورة الكهف هو الخضر، حيث التقى به موسى -عليه السلام- وأخذ عنه العلم، وأمر الخضر موسى أن لا يسأله عمّا سيفعل بعد أن يركبا السّفينة، فركبا السفينة وكانت لغلامين لم يأخذا منهما الأجرة، وعند نزولهما وجدا غلامًا فقتله الخضر، وتعجّب موسى من ذلك ولم يستطع سؤال الخضر عن ذلك، لأن هذا السؤال سيكون أثره مفارقة الخضر له، وبعد ذلك أخبر الخضر موسى بكلّ المراد من أفعاله، حيث كانت السفينة لغلام فقير فقتله لأنه سيكون كافرًا، إذا استولى الملك الظالم على السفينة، حيث كان الملك يأخذ أيّ سفينة خالية من العيوب.^[8]

فأراد حينها الخضر أن يجعل السفينة فيها عيب، وهذا لا يتأتى إلا بقتله للغلام، وأما بالنسبة للجدار المائل، فقد كان لغلامين يتيمين وكان تحته كنز لهما، فقام الخضر بإصلاحه حتى لا يستولي الملك الظالم عليه، وحتى يستطيع الغلامين إخراج هذا الكنز عند كبرهما، كما أخبر الخضر موسى -عليه السلام- بإنّ ذلك كلّه بأمر الله تعالى ومشيئته وقدرته.^[8]

قصة ذي القرنين

قال تعالى في محكم تنزيله: {وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا}،^[9] وذو القرنين هو من الملوك الصالحين أرسله الله تعالى وكان يتّصف بحسن التصرف والقوة وكثرة الجنود، وصل ذو القرنين ومعه جنوده إلى مكان أقصى ما يمكن الوصول إليه وهو جنوب إفريقيا، حيث وجد المسلم والكافر، ومن ثمّ وصل إلى المشرق في الصين، فوجد فيها الكهوف التي يلجؤون إليها البشر، حيث لا يمتلكون بيوتًا أو ثيابًا يسترون فيها أنفسهم، ومن ثمّ وصل ذو القرنين إلى سلاسل جبال متصلة ببعضها.^[10]

فوجد فيها قومًا لا يفقهون من القول شيئًا، فقالوا لذي القرنين بأن يبني لهم سدًا يحميهم من يأجوج ومأجوج، فاستجاب لهم ذي القرنين، فأمرهم بجمع القطع الحديدية الكبيرة والصغيرة، ثمّ أمرهم بإذابة الحديد مع النحاس باستخدام النّيران إلى أن يلتحما ببعضهما فيصبحا سدّا وحاجزًا، وهذا حلاً مؤقتًا إلى أن تحين الساعة فينتشر قوم يأجوج ومأجوج إلى مشارق الأرض ومغاربها وكافة أنحائها.^[10]

ما هي مقاصد وأهداف سورة الكهف

إنّ لكلّ سورة من سور القرآن الكريم العديد من المقاصد والأهداف التي تحمل فيها العِبر والعظات للأمم السابقة واللاحقة، وسيتمّ فيما يأتي بيان مقاصد وأهداف سورة الكهف:^[11]

• تمحورت سورة الكهف على ترسيخ العقيدة السليمة في النفوس وتوحيد الله تعالى بالألوهية والربوبية.
• بيان أحداث ومواقف يوم القيامة، والإيمان بذلك إيمانًا شديدًا.
• وجوب الإيمان بالرّسالة المحمدية والعمل بها كما أمر الله تعالى في كتابه.
• التأكيد على أنّ محمد -صلى الله عليه وسلم- بشر مبعوث لكافّة الأمم ليكون بشيرًا ونذيرًا.
• بيان الكثير من الأمور التي تكون فتنة للعبد؛ كالأموال والسلطان والملك، بالإضافة إلى فتنة الأسباب والعلم.

شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الطلاق بهذا الاسم

ما هي فضائل سورة الكهف

هنالك العديد من النصوص التي وردت في فضل قراءة سورة الكهف ولا سيّما في يوم الجمعة، وسيتم فيما يأتي بيان بعضٍ منها:

• سورة الكهف نور لمن يقرأها: فعن أبي سعيد الخُدريّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “مَنْ قرأَ سورةَ الكهفِ كما أُنْزِلَتْ كانَتْ لهُ نُورًا يومَ القيامةِ، من مَقَامِهِ إلى مكةَ، و مَنْ قرأَ عشرَ آياتٍ من آخِرِها ثُمَّ خرجَ الدَّجَّالُ لمْ يَضُرَّهُ”.^[12]
• سورة الكهف إحدى سبل الهداية: ورد عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ سطع له نورٌ من تحت قدمِه إلى عنانِ السماءِ يضيءُ به يومَ القيامةِ، وغُفر له ما بين الجمعتين”.^[13]
• سورة الكهف تحمي من المسيح الدجال: ورد عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: “مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ”.^[14]

وقت قراءة سورة الكهف

يبدأ وقت قراءة سورة الكهف من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، حيث تُقرأ السورة الكريمة في يوم الجمعة أو ليلتها، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأدلة الواردة على وقت قراءة سورة الكهف ضعيفة، ممّا يعني يُستحب للعبد أن يقرأ سورة الكهف في أيّ وقتٍ شاء.^[15]

لماذا سميت سورة الكهف بهذا الاسم سؤال أجبنها عليه فيما سبق، وتبيّن أنّ السبب الرّئيس لتسمية سورة الكهف هو تضمين قصة أصحاب الكهف في السورة الكريمة، كما بيّنا العديد من المعلومات المتعلقة في هذه السورة، بالإضافة إلى فضل قراءتها في يوم الجمعة والنّصوص الصحيحة الواردة فيها.