بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره

بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره
بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره

بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره، ذلك العلم الذي منه المُبدأ وفيه المنتهى حيث إنّه تفسير لكلام الله تبارك وتعالى الذي أوحاه على عبده من فوق سبع سماوات، بدأ هذا العلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمّا ينتهي بعد، لذلك فإنّ هذا المقال سيأتي بالكلام على نشأته وتطوره ومراحله وغير ذلك مما يتصل بهذه المسألة.

علم التفسير

في الحديث عن بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره لا بدّ من تعريف علم التفسير وهو علمٌ شرعيٌّ معروفٌ، مختصٌّ بالقرآن الكريم، أيّ بكلام الله تعالى، وعلم التفسير لغةً: مشتقٌ من الجذر الثلاثي “فَسَر”، أيّ البيان والتوضيح، والكشف والإظهار، وكشف المراد من اللفظ المشكل.

بينما نجد لتعريف معناه الشرعي الاصطلاحي عدّة أقوالٍ وآراءٍ عند أهل العلم، ومنها:[1]

  • أبو حيان: عرّفه بأنه العلم الذي يبحث في كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولها وأحكامها الإفرادية والتركيبيّة، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات ذلك من معرفة النسخ وسبب النزول وتوضيح المبهم في كتاب الله عز وجل وما إلى ذلك.
  • الإمام الزركشي: عرّفه بأنه علمٌ يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معاني كلام الله، واستخراج أحكامه وحكمه، ويكون ذلك كله مستمدًا من علوم مختلفة منها النحو والتصريف واللغة، وعلم البيان، وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج لذلك كله لمعرفة واضحة في أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ.
  • الشيخ محمد أبو سلامة: تناول التفسير على أنه العلم الذي يبحث في أحوال القرآن الكريم، من حيث دلالته على مراد الله عز وجل من القرآن، بمقدار الطاقة الإنسانية البشريّة.
  • الإمام محمد الطاهر بن عاشور: وصف علم التفسير بالعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن.

شاهد أيضًا: لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة

بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره

في بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره لا بدّ من الحديث عن هذا العلم منذ بدايته، حيث كانت بداية ظهور علم التفسير مع بداية ظهور الدين الإسلامي، ولذلك فقد نشأ وتطور مارّاً بعدة مراحل متعاقبة مختلفة.

نشأة علم التفسير

نشأ علم التفسير منذ أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أي مع نزول القرآن.

فقد جرت سنة الله تعالى أن يرسل كل رسولٍ بلسان قومه، وأن يكون الكتاب المنزل عليه بلسانه ولسان قومه، مما يساعد على تسهيل التخاطب بين الرسول وقومه، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.[2]

ولما كان الرسول محمد صلاة الله وسلامه عليه صاحب لسانٍ عربي، فإن الكتاب المنزل عليه في لسانٍ عربي أيضاً، ومن ذلك اتسمت ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه بأنها عربية تامة على اختلاف أهل العلم حول منشأ بعض الالفاظ ومصدرها اللغوي.[3]

ويعد القرآن الكريم المفسر والمبين الأول، إذ أن آياته تفسر وتبين بعضها البعض، ففي بداية الدين الإسلامي كان القرآن الكريم ينزل على النبي محمد صلاة الله وسلامه عليه، فتكون آياته مفصلة أو مجملة تبينها كلمات مفسرة.[3]

شاهد أيضًا: افضل دعاء في اخر ساعة من يوم الجمعة.. 5 شروط لإجابة الدعاء

تطور علم التفسير

مرّ علم التفسير بمراحل عدة، اتسمت كل مرحلة منها بمجموعةٍ من الخصائص التي تميزها، وهي على النحو التالي:

التفسير في عهد النبي

أنزل الله القرآن الكريم بلسانٍ عربي، مما جعل الأقوام العربية تفهمه وتدركه، على اختلاف درجات الفهم والاستيعاب، فقد يختلفون في فهم بعض الدقائق والجزيئات، ولا سيما أن القرآن الكريم قد احتوى على آياتٍ مجملةٍ، لذلك خصَّ الله نبيه الكريم بمعرفة القرآن معرفةً تامةً، فقد كان الرسول  صلى الله عليه وسلم يفسر الآيات بما يوحى إليه من البيان، وبذلك تعد السيرة النبوية الشريفة المبين الثاني للقرآن الكريم، ونماذجها كثيرة.[4]

أمر الله تعالى عباده بالصلاة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، إلا أن ذلك التكرار لم يبين تفصيلات الصلاة من حيث عدد الركعات، وكيفية الأداء، فجاء بيان الرسول الكريم مفسراً لهذه العبادة عندما صلى في يومٍ من الأيام أمام الصحابة الكرام، وأمر صحابته رضوان الله تعالى عليهم أن يصلوا كما رأوه يصلي.[4]

التفسير في عهد الصحابة

امتاز عهد الصحابة وأواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم بانتشار الدين الإسلامي انتشاراً واسعاً، وتنوع داخلي الدين الجدد ما بين عرب وعجم، بعضهم يعرف العربية وأحكامها، والآخر جاهل بها، وبذلك ظهرت الحاجة إلى معرفة القرآن الكريم وأحكامه.

فأخذ الصحابة الكرام يفسرون القرآن الكريم بالقرآن الكريم أولاً، ثم بالسنة النبوية الشريفة، ثم ببيان أسباب النزول، ثم من خلال الاجتهاد الذي ييسره الله تعالى لهم، وتعد أقوال الصحابة في التفسير المبين الثالث للقرآن الكريم، ومن نماذجه:

قدم الجارود إلى عمر رضي الله عنه ليخبره بأن قدامة بن مظعون الذي استعمله على البحرين قد شرب فسكر، فتأكد عمر من صحة ما قاله الجارود عبر شهادة أبي هريرة، وتوعد بجلد قدامة، إلا أن قدامة قد رأى أمر عمر رضي الله عنه بجلده دون حق، وذلك لأنه قد شهد بدراً والخندق والمشاهد، وآمن وعمل كل ما هو صالح، مستشهداً بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[5]

فجاء رد ابن عباس على قوله بناءً على طلب عمر رضي الله عنه بأن هذه الآية بمثابة العذر لمن سلف وبمثابة الحجة لمن دون ذلك، مستشهداً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.[6]

وذلك يدل على أنّ أقوال الصحابة رضوان الله عليهم يُستشهد به في التفسير.[4]

التفسير في عهد التابعين

امتدت رقعة الدولة الإسلامية، فأصبح الدين الإسلامي ينتشر في بقاع الأرض القريبة منها والبعيدة، ليضم بذلك مختلف الناس من عرب ومن عجم، مما أدى إلى انتشار اللحن، الأمر الذي جعل حاجة المسلمين إلى معرفة القرآن الكريم وأحكامه حاجة ملحة، فجاء التابعون يفسرون القرآن الكريم بالقرآن الكريم أولًا، ثم بالسنة النبوية الشريفة، ثم ببيان أسباب النزول، ثم بأقوال الصحابة، ثم من خلال اجتهادهم الذي ييسره الله لهم.

وتعد أقوال التابعين في التفسير المبين الرابع للقرآن الكريم، ومن نماذجه:

تفسير سعيد بن جبير التابعي  رحمه الله تعالى لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}،[7]من خلال قوله: أي ألحق الله تعالى الذرية بآبائهم في الدرجات، مع استحقاقهم دون درجات الآباء في الجنة، تكريماً للآباء وفضلاً منه سبحانه.[4]

التفسير منذ عصر التدوين إلى اليوم

جاء بعد التابعين عدد من العلماء الذين فسروا القرآن الكريم من خلال القرآن والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين، بل إن بعضهم قد أخذ من الإسرائيليات والنصرانيات، ومن ثم ظهر التدوين فبدأ تدوين التفسير في القرن الثاني الهجري، وذلك من خلال كتب الحديث الشريف، عن طريق الإسناد، ومع انتشار التدوين، والدعوة إلى العلم وأهميته استقل تدوين علم التفسير، فدون علم التفسير على مذاهب وطرق عدة.[4]

شاهد أيضًا: فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها

الأساليب المستخدمة في التفسير

بعد الكلام في بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره لا بدّ من ذكر بعض الأساليب المستخدمة في التفسير، حيث تتعدد الأساليب المستخدمة في التفسير، ونذكر منها:[8]

  • التفسيرالتحليلي: وهو الأسلوب التفسيري الأكثر انتشاراً، ويعتمد على التحليل، إذ يحلل المفسر الآية، فيبين سبب نزولها، ويعرب مشكلها، ويبين مجملها، ومن أمثلته: تفسير ابن عطية وتفسير الآلوسي.
  • التفسيرالإجمالي: وهو الأسلوب التفسيري المهتم بالمنحى العام للآية، دون التعرض لتفاصيلها، كاهتمامه بالبلاغة والإعراب وغيرها، ومن أمثلته: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
  • التفسيرالمقارن: وهو الأسلوب التفسيري المعتمد على المقارنة، إذ يلجأ المفسر إلى قولين في التفسير، فيقارن بينهما، ويرجح أحدهما على الآخر، ومن أمثلته: تفسير ابن جرير الطبري.
  • التفسير الموضوعي: هو الأسلوب التفسيري المعتمد على النمط الموضوعي، إذ يلجأ المفسر إلى دراسة جملة أو لفظة أو موضوع في القرآن الكريم، وله ثلاثة أنواع: الأول منها يعتمد على دراسة الموضوع في القرآن الكريم كله مثل دراسة صفات عباد الرحمن في كل القرآن، الثاني منها يعتمد على دراسة الموضوع في سورة محددة مثل دراسة الأخلاق في سورة الحجرات، والأخير يعتمد على عرض معنى لفظة أو جملة قرآنية في القرآن الكريم مثل معنى الأمة في القرآن.

أنواع علم التفسير

من أنواع التفسير:[9]

  • التفسير بالمأثور: وهو تفسير القرآن اعتماداً على القرآن الكريم من باب الاصطلاح والسنة النبوية الشريفة، وأقوال الصحابة وبعض المفسرين يضيف أقوال التابعين، ومن أمثلته: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي.
  • التفسير بالرأي أو الدراية: وهو تفسير القرآن اعتماداً على اجتهاد المفسرين وثقافتهم ومعرفتهم وتمكنهم من اللغة والأصول وغيرها، ومن أمثلته: الكشاف للزمخشري.
  • التفسير الإشاري: وهو تفسير القرآن بغير معناه الظاهري الذي يدل عليه، وتتصف هذه المعاني بكونها صحيحة، إلا أن القرآن الكريم لا يدل عليها، كتفسير كثيرٍ من الصوفية والفقهاء والوعاظ، ولا يعتبر التفسير الإشاري تفسيراً صحيحاً لما كان للتفسير من معنى إمعان النظر في مراد الله تعالى من هذا اللفظ.
  • التفسير الفقهي لآيات الأحكام: هو تفسيرٌ حديث النشأة، ظهر مع انتشار التعصب المذهبي، إذ أخذ أصحاب المذاهب يؤلفون تفاسير متخصصة بآيات الأحكام، ومن أمثلته: أحكام القرآن للجصاص.

الشروط التي يجب توافرها في المفسرين

علم التفسير من العلوم القرآنية المهمة، التي توجب على صاحبها المعرفة بالقرآن الكريم حق المعرفة، ويترتب على جاهل التفسير المدعي بمعرفته سوء العذاب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار”.

ولذلك كان لا بد من توافر مجموعة من الشروط عند المفسرين، وقد بيّنها أهل العلم، ومنها:[10]

  • سلامة العقيدة: إذ أن انحراف عقيدة المفسر، يجعل تفسيره بحسب هواه، فنراه يقوم بتأويل ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه بما يتناسب مع مذهبه فقط، ومن ذلك فرق الخوارج والروافض.
  • التجرد من الهوى: لما للهوى من دورٍ في نصرة الباطل على الحق، إذ أن الهوى يحمل صاحبه على نصرة مذهبه ولو كان باطلاً.
  • المعرفة والعلم بأصول التفسير: فلا بد للمفسر أن يكون عالماً بأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات وما إلى هنالك، إذ أنها القاعدة التي ينطلق منها علم التفسير.
  • العلم بالحديث روايةً ودرايةً: إذ أن السنة النبوية الشريفة تحمل في طياتها تبياناً للقرآن الكريم، كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: السنة تفسر القرآن وتبينه.
  • المعرفة باللغة العربية وآدابها: إذ أن القرآن الكريم عربي اللفظ والمعنى.
  • المعرفة بأصول الفقه: وذلك كي يتبين له العام من الخاص، والمجمل من المبين، والمطلق من المقيد، وفحوى الخطاب من لحن الخطاب وما إلى هنالك.
  • المعرفة بأصول الدين: وذلك تجنباً للوقوع في آيات الأسماء والصفات في التشبيه او التمثيل أو التعطيل.

وبذلك نكون قد أنهينا حديثنا عن بحث عن نشأة علم التفسير وتطوره وذكرنا كيف نشأ ذلك العلم وكيف تطور عبر العصور، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الشخص حتى يحق له تفسير كتاب الله تعالى، وما هي أنواع التفسير منذ بداية نشأة العلم حتى هذه اللحظة.

المراجع

  1. ^ al-maktaba.org، كتاب التفسير والتأويل في القرآن، 11/11/2021
  2. ^ إبراهيم، 4
  3. ^ islamweb.net، نشأة التفسير وتطوره، 11/11/2021
  4. ^ al-eman.com، الواضح في علوم القرآن، 11/11/2021
  5. ^ المائدة، 93
  6. ^ المائدة، 90
  7. ^ الطور، 21
  8. ^ al-maktaba.org، كتاب فصول في أصول التفسير، 11/11/2021
  9. ^ al-maktaba.org، كتاب المنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره، 11/11/2021
  10. ^ al-maktaba.org، كتاب التعريف بالإسلام، 11/11/2021

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *