حكم الغلو في الصالحين وفي أي قوم بدأ

حكم الغلو في الصالحين وفي أي قوم بدأ
حكم الغلو في الصالحين

حكم الغلو في الصالحين وفي أي قوم بدأ هي مسألة ذات أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية لما لها من مخاطر كبيرة على المجتمع بشكل عام وعلى الفرد بشكل خاص، فموضوع الغلو بشكل عام هو من أخطر الأمور التي ينبغي توعية المجتمع الإسلامي عليها ونشر الرأي الشرعي الصحيح بها، وفي هذا المقال سوف نقوم بتسليط الضوء على معنى الغلو لغةً واصطلاحًا وسوف نمر فيه على هل يجوز الغلو في الصالحين وسنمر على بعض الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا الموضوع بشكل عام.

تعريف الغلو لغة واصطلاحاً

إنَّ الغلو في اللغة هو مجاوزة الحد في أمر من الأمور، وهو من غلا في الأمر أي تجاوز الحد في هذا الأمر، والغلو هو التشدد في الأمر، وقد عرّفه ابن سيده في قوله: “الغلو لغةً: مأخوذ من “غلا في الأمر غلواً؛ أي: تجاوز حد هومن تشدد في الدين وجاوز الحد وأفرط فهو غال”، أما في الاصطلاح فهو المبالغة في الأمر والمبالغة فيه حتَّى الوصول إلى حد الإسراف، قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: “الغلو: هو المبالغة في الأمر ومجاوزة الحد فيه إلى حيز الإسراف”، والله أعلم وأحكم. [1]

حكم الغلو في الصالحين

ذكر أهل العلم أنَّ الغلو في الصالحين ينقسم إلى قسمين اثنين، الأول هو أن يدعو الشخص الصالحين مع الله ويعظمهم ويستغيث بهم وينذر لهم، وهذا شرك أكبر لأنّ هذه الأفعال لا تكون إلَّا لله الواحد الأحد الذي لا شريك له في الألوهية والملك، أما القسم الثاني فهو الذين يكون بالتمسح بهم والتقرب من خلالهم إلى الله تعالى، وهذا ليس شركًا أكبر ولكنه وسيلة من وسائل الشرك، وفيما يأتي نذكر قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في هذا الموضوع المهم: [2]

الغلو قسمان: غلو فيهم يدعوهم مع الله، يعظّمهم بالشرك، يستغيث بهم، ينذر لهم، هذا الشرك الأكبر.
والغلو فيهم الذي هو ليس من الشرك الأكبر كونه يتمسح بهم، يرى أن التمسح بهم قربة إلى الله، ويقوم لهم إذا دخلوا أو يقوم على رؤوسهم يظن أن هذا قربة، هذا من وسائل الشرك.

مظاهر الغلو في الصالحين

ثمة العديد من مظاهر وأشكال الغلو في الصالحين التي يمكن أن يقوم بها المسلم، ومن هذه الأشكال والمظاهر ما سيأتي: [3]

  • أولًا: المبالغة في مدح الصالحين، هذه المبالغة التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذه ظاهرة منتشرة كثيرًا عند العديد من الطوائف في مختلف المجتمعات، ومن المعروف أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حذر المسلمين من المبالغة والغلو في مدحه، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: “لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ” [4]قال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: “قال ابنُ التِّينِ: معنى قَولِه: ((لا تُطْرُوني)) لا تمدَحوني كمَدْحِ النَّصارى حتى غلا بعضُهم في عيسى فجعَلَه إلهًا مع اللهِ، وبعضُهم ادَّعى أنَّه هو اللهُ، وبعضُهم ابنَ اللهِ، ثم أردَفَ النَّهيَ بقَولِه: أنا عبدُ اللهِ”.
  • ثانيًا: تصوير الصالحين، وهذا ما قام به قوم نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام، وفي هذا قال ابن العربي: “وقال ابنُ العربي: “نهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الصُّورةِ، وذَكَر عِلَّةَ التشبيهِ بخَلْقِ اللهِ، وفيها زيادةُ عِلَّةِ عبادتِها من دونِ اللهِ؛ فنَبَّه على أنَّ نَفْسَ عَمَلِها مَعصيةٌ، فما ظَنُّك بعبادتِها؟ وقد ورد في كُتُبِ التفسيرِ شأنُ يَغُوثَ ويَعوقَ ونَسْرٍ، وأنَّهم كانوا أُناسًا، ثمَّ صُوِّروا بعد مَوتِهم وعُبِدوا، وقد شاهدت بثَغرِ الإسكندريَّةِ إذا مات منهم مَيِّتٌ صَوَّروه من خَشَبٍ في أحسَنِ صُورةٍ، وأجلسوه في موضِعِه من بيتِه، وكَسَوه بِزَّتَه إن كان رجلًا، وحِلْيَتَها إن كانت امرأةً، وأغلقوا عليه البابَ، فإذا أصاب أحدًا منهم كَربٌ أو تجَدَّد له مكروهٌ، فَتَح البابَ عليه وجلس عنده يبكي ويناجيه بكان وكان، حتى يكسِرَ سَورةَ حُزنِه بإهراقِ دُموعِه، ثم يُغلِقُ البابَ عليه وينصَرِفُ عنه! وإن تمادى بهم الزَّمانُ يَعبُدوها من جملةِ الأصنامِ والأوثانِ!”.
  • ثالثًا: رفع قبور الصالحين وبناء الشواهد لهم، وفي هذا وردت العديد من الأقوال، ومنها:
    • قال أبو الهياج الأسدي: “قالَ لي عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ علَى ما بَعَثَنِي عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَه، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَه”.
    • قال ابن تيمية: “اتَّفَق أئمَّةُ الإسلامِ على أنَّه لا يُشرَعُ بناءُ هذه المشاهِدِ على القُبورِ، ولا يُشرَعُ اتِّخاذُها مساجِدَ، ولا يُشرَعُ الصَّلاةُ عندها، ولا يُشرَعُ قَصْدُها لأجْلِ التعَبُّدِ عندها بصلاةٍ أو اعتكافٍ أو استغاثةٍ أو ابتهالٍ أو نحوِ ذلك”.

حديث عن الغلو في الصَّالحين

لقد وردت عن موضوع الغلو في الصالحين أو عن موضوع الغلو بشكل عام العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومنها:

  • عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: “القِطْ لي حصًى فلَقطتُ لَه سبعَ حصَياتٍ هنَّ حصَى الخَذفِ فجَعلَ ينفضُهُنَّ في كفِّهِ ويقولُ أمثالَ هؤلاءِ فَارْموا ثمَّ قالَ يا أيُّها النَّاسُ إيَّاكم والغُلوَّ في الدِّينِ فإنَّهُ أهْلَكَ من كانَ قبلَكُمُ الغلوُّ في الدِّينِ”. [5]

آيات من القرآن الكريم عن الغلو في الصالحين

ورد الغلو في القرآن الكريم في أكثر من موضع واحد، وفيما يأتي نذكر هذه المواضع مع ذكر السورة والآية التي ورد فيها:

  • قال تعالى في سورة النساء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا}. [6]

في أي قوم بدأ الغلو في الصالحين

بدأ الغلو في الصالحين في عبادة قوم نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام، حيث افتتن قوم نوح بالقبور وقدسوها وغالوا في تقديسها والاهتمام بها، كما قاموا بتصوير الأشخاص الذين لهم مكانة لديهم، صوروهم على شكل أصنام عكفوا على عبادتها، وهم: ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهؤلاء كانوا من الصالحين فيهم، قدسوهم حتّى وصلوا في المغالاة إلى الشرك الأكبر، والله أعلم. [7]

مقالات قد تهمك

حكم جوزة الطيب ابن باز وحكم بيعها

إلى هنا نختم هذا المقال بعد أن تحدثنا عن معنى الغلو لغة واصطلاحًا ثم مررنا على حكم الغلو في الصالحين وفي أي قوم بدأ وذكرنا بعض الأحاديث النبوية والآيات القرآنية عن الغلو في الصالحين، ثم مررنا ختامًا على القوم الذين بدأ عندهم الغلو في الصالحين.

المراجع

  1. ^ shamela.ws، الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا، 17/04/2024
  2. ^ binbaz.org.sa، حكم الغلو في الصالحين وما يكون شركًا منه؟، 17/04/2024
  3. ^ dorar.net، الغُلُوُّ في الصَّالحين، 17/04/2024
  4. ^ صحيح البخاري، عمر بن الخطاب، البخاري، 3445، صحيح.
  5. ^ صحيح ابن ماجه، عبدالله بن عباس، الألباني، 2473، صحيح.
  6. ^ سورة النساء، الآية 17.
  7. ^ alukah.net، تعريف الغلو ونشأته وملامحه، 17/04/2024

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *