عناصر المقال
كيف يكون الاستغفار نابع من القلب، فالاستغفار معناه في اللغة هو طلب المغفرة من الله عز وجل، وله صيغ كثيرة يمكن أن يكون بها وكلها مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وبصيغ كثيرة وأدعية كثيرة قد وردت عن النبي عليه وآله الصلاة والسلام، ولكن متى يتقبل الله تعالى هذا الاستغفار، ومتى يكون نابعًا من قلب المسلم، في هذا المقال سوف تكون هنالك وقفة مع الطريقة التي يكون فيها الاستغفار نابعًا من قلب المسلم، وغير ذلك من الأمور المرتبطة بالاستغفار.
كيف يكون الاستغفار نابع من القلب
لكي يكون الاستغفار نابعًا من قلب المسلم فإنّ عليه أن يستحضر ذنوبه التي اقترفها بذل وخضوع وهو يناجي ربّه سبحانه وتعالى، وعليه أن يعلم أنّ هذه الذنوب لا غافر لها إلّا الله تعالى، وأنّه لو شاء لعذّبه بذنوبه تلك، ويستشعر المستغفر قدرة الله تعالى عليه وأنّه تعالى وحده المتصرّف في الكون، وأنّ قدرته تفوق كلّ شيء، فإذا ما استحضر العبد هذه الأمور عند استغفاره فإنّ الخشية سوف تكسوه وسوف يستغفر ربّه بذل وخضوع وعبودية حقيقية، وبهذا يكون الاستغفار نابعًا من قلبه وهو يدعو الله عزّ وجلّ، والله أعلم.
شاهد أيضًا: ما هي شروط التوبة الصادقة ، ومتى لا يقبل الله توبة العبد
طريقة الاستغفار لقضاء الحوائج
إنّ الاستغفار هو من أسباب قضاء الحوائج، وقد ورد ذلك صراحة في عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، منها قوله تعالى على لسان نبيّه نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}،[1] فكل الحوائج تُقضى بالاستغفار، وكذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللهُ له مِن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ومِن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورَزَقَه مِن حيثُ لا يَحتَسِبُ”.[2]
وطرق الاستغفار كثيرة منها ترديد ألفاظ الاستغفار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مثل قوله: “أستغفر الله”، أو: “أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”، ومنها غير ذلك مما علمه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- للصحابة والأمّة، وينبغي المداومة على الاستغفار وحضور قلب المسلم المستغفر واستشعاره ألفاظ الاستغفار التي ترشده إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وبحضور القلب مع الاستغفار والتوبة النصوح من الذنوب والمعاصي فإنّ الحوائج سوف تُقضى بإذن الله تعالى.
شاهد أيضًا: وسواس عدم قبول التوبة ، كيف أنسى الذنب بعد التوبة
كيفية الاستغفار بالمسبحة
المَسبَحَة هي خيط مصنوع من أنواع مختلفة من الخيوط، وفيها حبّات من الخرز تختلف باختلاف التصنيع والنوع المستخدم في تصنيعها، وقد تكون مؤلفة من 33 حبّة خرز، وقد تكون مؤلفة من 99 حبّة، وتستعمل للتسبيح والاستغفار وذكر الله عز وجل، فمثلًا في حال الاستغفار فإنّ المسلم يحدد كم مرة يريد أن يستغفر، فعلى سبيل المثال لو أراد الاستغفار مئة مرة، فإنّه يستغفر على عدد حبات المسبحة، بالإضافة لحبة واحدة، فيكون المجموع مئة، ولو أراد أقلّ من ذلك فإنّه يحدد الحبات التي يريد الاستغفار بها، ومع كل حبة يعدّها يقول أستغفر الله أو أيّ لفظ يختاره للاستغفار.
شاهد أيضًا: الفرق بين التوبة والتوبة النصوح
كيفية الاستغفار في الأسحار
وقتُ السَّحَر هو وقت الثلث الأخير من الليل، وينتهي بطلوع الفجر، وهذا الوقت هو وقت مبارك دلّت عليه كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، منها قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}،[3] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟”.[4]
وفي هذا الوقت المبارك ينبغي للمسلم أن يستحضر كلّ ما يريد قوله من أدعية أو استغفار أو نحو ذلك، ثمّ يستغفر الله تعالى ويلحّ في الاستغفار والدعاء؛ فوقت السَّحَر هو وقت عظيم للدعاء والاستغفار والشعور بالسكينة في وقت تتنزّل فيه رحمات الله تعالى على البشر أجمعين، فيستحب للعبد أن يداوم على صيغ الاستغفار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بأس بأن يدعو الله تعالى ليغفر له، كأن يقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي وكفّر عني سيئاتي، وتوفني مع الأبرار، ونحو ذلك من الأدعية وصيغ الاستغفار الواردة في الأحاديث النبوية، والله أعلم.
شاهد أيضًا: كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب ، متى لا يقبل الله توبة العبد
طريقة الاستغفار بنية الرزق
إنّ الاستغفار هو من الأسباب العظيمة التي تجلب الرزق للمسلم، وذلك إذا كان الاستغفار نابعًا من قلب المستغفر، وقد دلّت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أنّ الرزق يُجلب بالاستغفار، من ذلك ما ورد على لسان نبي الله نوح في القرآن الكريم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}،[1] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الشريف: “مَن لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللهُ له مِن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ومِن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورَزَقَه مِن حيثُ لا يَحتَسِبُ”.[2]
ولكن لم يرد في السنة النبوية ولا في أي مصدر من مصادر التشريع أنّ هنالك طريقة معينة يتبعها المسلم لحصول الرزق، ولكن ذكرت الآيات والأحاديث أنّ الاستغفار بصدق وإخلاص لله تعالى هو مظنّة حصول الرزق والخير الوفير كما قال تعالى في الآيات القرآنية الكثيرة، وكما ذكر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، والله أعلم.
شاهد أيضًا: هل الاستغفار يغير القدر وماذا يحدث عن كثرة الاستغفار
طريقة الاستغفار باليد
لقد رغّب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالاستغفار بوساطة اليد، ففي الحديث الذي ترويه يسيرة الأنصارية -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: “عليكُنَّ بالتَّسبيحِ والتَّهليلِ والتَّقديسِ، واعقِدنَ بالأناملِ، فإنَّهنَ مسئولاتٌ مستَنطَقاتٌ، ولا تَغفَلنَ فتَنسينَ الرَّحمةَ”،[5] فبقوله: “واعقِدنَ بالأناملِ، فإنَّهنَ مسئولاتٌ مستَنطَقاتٌ” دليل على سنيّة عدّ الذكر بالأصابع سواء كان استغفارًا أم تسبيحًا أو غير ذلك.
وطريقة الاستغفار باليد هي أن يعدّ الاستغفار بناء على عدد الخطوط على الأصابع، ففي كل إصبع هنالك ثلاثة خطوط، فيكون مجموع الخطوط في أربعة أصابع هو 12، فإذا أراد المسلم الاستغفار 99 مرة فإنّه يعدّ أصابع يديه الأربعة -كلها عدا الإبهام- 8 مرات، ثمّ يستغفر مقدار إصبع واحدة فقط، فيكون مجموع ما عدّه 99، فعدد الخطوط على الأصابع الأربعة هو 12، وإذا تكررت العملية 8 مرات فإنّ الناتج يكون 96 استغفارًا، ثمّ يعدّ إصبع واحدة، والإصبع عليها ثلاثة خطوط، فيكون المجموع عندها 99.
شاهد أيضًا: كيف تثبت على التوبة ، كيفية التوبة من الذنب وعدم الرجوع إليه
صيغ الاستغفار الصحيحة
لقد وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عدّة صيغ للاستغفار، ومن أبرز هذه الصيغ ما يأتي:
- “اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ، كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بالمَاءِ والثَّلْجِ والبَرَدِ”.[6]
- “إن كنَّا لنعُدُّ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المجلسِ الواحدِ يقولُ : ربِّ اغفِرْ لي وتُبْ عليَّ إنَّك أنت التَّوَّابُ الرَّحيمُ مائةَ مرَّةٍ”.[7]
- “من قال أستغفرُ اللهَ الَّذي لا إلهَ إلَّا هو الحيُّ القيُّومُ وأتوبُ إليه غُفِر له وإن كان فرَّ من الزَّحفِ”.[8]
- “أنَّ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مِن عِندِكَ مَغْفِرَةً إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”.[9]
- “كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ”.[10]
- “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا انْصَرَفَ مِن صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ”.[11]
- “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ”.[12]
- “اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ”.[13]
- “رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ”.[14]
- “اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ”.[15]
شاهد أيضًا: ما الفرق بين التوبة والاستغفار وما فضلهما وشروطهما
فوائد الاستغفار
للاستغفار فوائد جمّة قد جمعها العلماء ممّا جاء في الكتاب المبارك والسنّة النبوية العطرة، ومن فوائد الاستغفار ما يأتي:
- تطهير القلب مما علق به: فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةُ نُكِتتْ في قلبهِ نُكتةً سوداءَ فإذا هو نزعَ واستغفرَ وتابَ سُقلَ قلبهُ وإن عادَ زيدَ فيها حتى تعلو قلبهُ وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ كَلّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”.[16]
- غفران الله تعالى لذنوب المستغفر: وذلك كما وعد الله تعالى عباده في الآيات القرآنية والأحاديث القدسية، ومنها: قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}،[17] وقوله في الحديث القدسي: “يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا”.[18]
- النجاة يوم القيامة: ففي الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “طوبى لمن وجدَ في صحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا”،[19] ويقول في حديث آخر: “مَنْ أحبَّ أنْ تسرَّهُ صحيفتُهُ، فليُكْثِرْ فيها مِنَ الاسْتغفارِ”.[20]
- النجاة من النار: فقد دلّت كثير من الأحاديث النبوية على أنّ الاستغفار سبب من أسباب النجاة من النار، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ”،[21] وفي حديث آخر تسأله أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: “يا رَسولَ اللهِ، ابنُ جُدْعانَ كانَ في الجاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهلْ ذاكَ نافِعُهُ؟ قالَ: لا يَنْفَعُهُ، إنَّه لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَومَ الدِّينِ”.[22]
- نزول رحمة الله تعالى على المستغفر: فيقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.[23]
- الاستغفار يُدخل العبد الجنة: فيقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.[24]
- الاستغفار يرفع درجات المستغفر ومن يستغفر له: ففي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم- في استغفار الولد لأبيه: “إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ليَرفَعُ الدَّرجةَ للعبدِ الصَّالحِ في الجَنَّةِ فيقولُ يا ربِّ أنَّى لي هذه فيقولُ باستغفارِ ولدِك لك”.[25]
- الاستغفار سبب لسعة الرزق بمختلف أشكاله: وكثيرًا ما وردت الآيات القرآنية مؤيدة لهذا الأمر، ومنها قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}،[26] وقوله: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}،[1] وقوله: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}.[27]
- الاستغفار سبب لزيادة الذرية: وهذا مُستفاد أيضًا من قوله -تعالى- في الآيات السابقة من سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}،[1]
- الاستغفار يدفع عذاب الله تعالى وعقابه: وقد ذكر الله تعالى هذا الأمر صراحة في القرآن الكريم وذلك في قوله جلّ وعلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.[28]
- الاستغفار سبب لنصر المستغفرين على أعدائهم: يقول تعالى في القرآن الكريم: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[29]
وإلى هنا يكون قد تم مقال كيف يكون الاستغفار نابع من القلب بعد الوقوف على الكيفية التي تجعل المستغفر يستغفر من أعماق قلبه، إضافة للوقوف على بعض صيغ الاستغفار الصحيحة وجملة من فوائد الاستغفار كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة.
المراجع
- ^ سورة نوح، الآية: 10 - 12
- ^ الأحكام الوسطى، عبد الله بن عباس، عبد الحق الإشبيلي، 4/317، سكت المحدث عن هذا الحديث، وقال في المقدمة: وإن لم تكن فيه علة كانَ سكوتي عنه دليلا على صحته.
- ^ سورة الذاريات، الآية: 17 - 18
- ^ صحيح البخاري، أبو هريرة، البخاري، 1145، حديث صحيح.
- ^ الجامع الصغير، يسيرة بنت ياسر، السيوطي، 5569، حديث صحيح.
- ^ صحيح البخاري، أبو هريرة، البخاري، 744، حديث صحيح.
- ^ حلية الأولياء، عبد الله بن عمر، أبو نعيم، 5/13، حديث صحيح متفق عليه [أي:بين العلماء] من حديث محمد بن سوقة.
- ^ الترغيب والترهيب، زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المنذري، 2/385، حديث إسناده جيد متصل.
- ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمرو، البخاري، 7387، حديث صحيح.
- ^ صحيح البخاري، عائشة أم المؤمنين، البخاري، 4968، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مسلم، 591، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، أبو موسى الأشعري، مسلم، 2719، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، علي بن أبي طالب، مسلم، 771، حديث صحيح.
- ^ صحيح البخاري، أبو موسى الأشعري، البخاري، 6398، حديث صحيح.
- ^ صحيح البخاري، شداد بن أوس، البخاري، 6306، حديث صحيح.
- ^ سنن الترمذي، أبو هريرة، الترمذي، 3334، حديث حسن صحيح.
- ^ سورة طه، الآية: 82
- ^ صحيح مسلم، أبو ذر الغفاري، مسلم، 2577، حديث صحيح.
- ^ البدور السافرة، عبد الله بن بسر، السيوطي، 238، حديث إسناده صحيح.
- ^ الجامع الصغير، الزبير بن العوام، السيوطي، 8303، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، عبد الله بن عمر، مسلم، 79، حديث صحيح.
- ^ صحيح مسلم، عائشة أم المؤمنين، مسلم، 214، حديث صحيح.
- ^ سورة النمل، الآية: 46
- ^ سورة آل عمران، الآية: 135 - 136
- ^ مجمع الزوائد، أبو هريرة، الهيثمي، 10/213، حديث رجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وقد وثق.
- ^ سورة هود، الآية: 3
- ^ سورة هود، الآية: 52
- ^ سورة الأنفال، الآية: 33
- ^ سورة آل عمران، الآية: 146 - 148
التعليقات