عناصر المقال
لماذا سميت سورة التحريم بهذا الاسم إنَّ المعجزة الخالدة الباقية إلى يوم الدين التي أيَّد بها الله -عزَّ وجلَّ- رسوله الأمين هي معجزة القرآن الكريم، وقد احتوى كتاب الله -عزَّ وجلَّ- على مائة وأربعة عشر سورة، منها سورةٌ سُميت بالتحريم، وفي هذا المقال الذي يطرحه موقع تصفح، سيتمُّ تخصيص الحديث عن هذه السورة الكريمة، حيث سيجد القارئ سبب تسميتها بهذا الاسم، بالإضافة إلى سبب نزولها حسب أقوال أهل العلم، ثمَّ سيجد نبذة مختصرة تضمُّ أهمِّ المعلومات المتعلقة بها، كما سيتمُّ ذكر بعض الدروس والعبر المستفادة منها.
لماذا سميت سورة التحريم بهذا الاسم
سُميت سورة التحريم بهذا الاسم؛ لأنَّها ابتدِئت بالسؤال الاستنكاري الذي سأله الله -عزَّ وجلَّ- لنبيِّه الكريم، والذي مضمونه تحريم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نفسه ما أحلَّه الله له، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”،[1] ولهذه السورة عددٌ من الأسماء الأخرى، مثل: سورة النبيِّ، وسورة اللِّمَ تحرِّم.[2]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الليل بهذا الاسم
أسباب نزول الآية الأولى من سورة التحريم
تباينت آراء أهل العلم في سبب نزول قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”،[1] من سورة التحريم، وفي هذه الفقرة من هذا المقال سيتمُّ بيان أقوالهم في ذلك، وفيما يأتي ذلك:
القول الأول
ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ النبيَّ قد حرَّم على نفسه العسل الذي كان يشربه عند زوجته زينب بنت حجشٍ، وقد استدلَّ أصحاب هذا القول بالحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّها: “تَزْعُمُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ويَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أنَا وحَفْصَةُ: أنَّ أيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ علَى إحْدَاهُما فَقالَتْ ذلكَ له، فَقالَ: لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أعُودَ له، فَنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1].[3]
شاهد أيضًا: لماذا سميت تكبيرة الاحرام بهذا الاسم
القول الثاني
ذهب آخرون من أهل العلم إلى أنَّ الذي حرَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو اقترابه ووطئه لمارية القبطية، حيث أنَّ حفصة بنت عمر ذهبت إلى بيت والدها، وعندما رجعت وجدت رسول الله في بيتها مع مارية، فانزعت مما رأت، وظنَّت أنَّ النبيَّ فعل ذلك لهوان شأنها عنده، وقد أخبرت حفصة النبيَّ بأنَّها ستُطلع عائشة على الأمر، فما كان من رسول الله إلَّا أن حلف لها بأنَّه لن يقترب من مارية، إلَّا أنَّ حفصة أخبرت عائشة بما رأت، فاستاء النبيُّ منها، واعتزل نساءه مدةً من الزمن،[4] وقد دلَّ على ذلك الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: “أنَّ رسولَ اللهِ كانت له أمَةٌ يطؤُها ، فلم تزَلْ به عائشةُ وحفصةُ ، حتَّى حرَّمها على نفسِه ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إلى آخرِ الآيةِ”.[5]
شاهد أيضًا: لماذا سميت سورة الإسراء بهذا الاسم
نبذة عن سورة التحريم
يبلغ عدد آيات سورة التحريم اثنتا عشر آية، أول عشرُ آياتٍ منها مدنية، واثنتان منها مكية، وقد نزلت هذه السورة بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة، وبذلك يكون ترتيبها حسب نزول السور السورة الخامسة بعد المائة، أمَّا ترتيبها بحسب ترتيب المصحف العثماني فهي السورة التي تحمل الرقم ستةٌ وستون،[4] ويدور محور هذه السورة الكريمة حول الأسرة المسلمة حيث تمَّ تناول بعض الهدايات والمعالم في ذلك.[6]
الدروس والعبر المستفادة من سورة التحريم
لقد تضمنت سورة التحريم عددًا من الدروس والعبر، والتي تظهر من خلال تدبر آياتها، وفي هذه الفقرة من هذا المقال سيتمُّ ذكر بعض الدروس والعبر التي رمت لها هذه السورة الكريمة، وفيما يأتي ذلك:[6]
- أنَّ امتناع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمَّا أباحه الله له، لغير مصلحةٍ معتبرة، قد تسبب حرجًا لأمته؛ إذ أنَّ جميع أقواله وأفعاله مصدرًا من مصادر التشريع، ومن هذا المنطلق عاتبه الله وأمره بالرجوع عن الموقف الذي فعله باجتهادٍ منه.
- أنَّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة عند ربه؛ إذ أنَّ في كلِّ موقفٍ هضم النبيُّ حظَّ نفسه إشفاقًا على من حوله، كان ربَّه يتولى الدفاع عنه.
- أنَّ للكلمة في الشرع الحنيف وزنًا، وعلى المرء أن ينتيه على ما يخرجَ من فيه من كلامٍ، هل هو عليه أم له.
- أنَّ باب التوبة مفتوحٌ لمن أراد الرجوع والإنابة إلى الله تعالى عمَّا صدر منه من كلامٍ.
- أنَّ الحياة الزوجية إنَّما تقوم على الثقة المتبادلة بين المرء وزوجه، ومما يوطد هذه الثقة ويدعمها كتمان أحدهما لسرِّ الآخر، وعدم البوح به وإفشائه.
- أنَّ العتاب الرقيق بين الزوجين عند وقوع ما يخدش الثقة بينهما كفيل بإصلاح الحياة الزوجية وإعادة الصفاء إليها.
- أنَّ وقع الطلاق على الزوجين شديد، لكن أكثر من يتأثر بذلك هي المرأة، ولا سيما إن علمت أنَّ أخرى ستحلُّ محلَّها وتكون أقرب منها إلى قلب زوجها.
- أنَّ خير الزوجات هنَّ اللواتي تتوفر فيهنَّ صفتي الإسلام والإيمان.
- أنَّ مسؤولية المرء تجاه رعيته عظيمة جدًا، وينبغي عليه أن يحرص على مصالحهم الدنيوية والأخروية، كما يحرص على مصلحته الشخصية.
- أنَّ عدم التيئيس من رحمة الله أسلوبٌ من أساليب القرآن الكريم، حيث بيَّن الله -عزَّ وجلَّ- بأكثر من موضعٍ أنَّ باب التوبة سيبقى مفتوحًا ما دام في العبدِ رمقٌ.
- أنَّ للتوبة النصوح ثلاث شروطٍ، وهنَّ: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
- أنَّ الغلظة بتعامل المرء مع رعيته يُطلب أحيانًا؛ إذ أنَّ كثرة اللين قد تُوصل والتلطف معهم قد يجعلهم يتطلعون إلى المباحات، وقد يوصلهم ذلك إلى فعل المكروهات والمحرمات.
- أنَّ القرب من الصالحين -وإن كان له أثرًا- لا يُغني إن لم يهدِ الله -عزَّ وجلَّ- قلب المرء إلى الإيمان.
- أنَّ في سير الصالحين تسليةً لقلوب الدعاة إلى الله الذين خرجوا من أصلابهم عصاةً رغم ما بذلوا من جهدٍ في تربيتهم وتوجيههم نحو الطريق المستقيم.
- أنَّ للمرأة دور عظيم في الدعوة إلى الله -عزَّ وجلَّ- وعلى الدعاةِ في هذا العصر عدم الغفلة عن هذا العنصر الهام.
أسماء سورة التحريم
إنَّ سورة التحريم تُسمَّى بهذا الاسم في المصحف الشريف، لكنَّه تسمَّى أيضًا بسورة لم تحرِّم، وبسورة النبيَّ؛ وذلك اعتبارًا لما جاء في بدايتها، حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[1] كما أنَّها تسمَّى بسورة النساء؛ لاشتمالها على الخصومة التي وقعت بين نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى أعلى وأعلم.[7]
وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي تمَّت في الإجابة على سؤال لماذا سميت سورة التحريم بهذا الاسم؟ وبيان بعض الأسماء التي تُطلق على هذه السورة الكريمة، كما تمَّ بيان أقوال أهل العلم في سبب نزول هذه السورة، بالإضافة إلى ذكر نبذةٍ مختصرةٍ عنها، وفي ختام هذا المقال تمَّ ذكر بعض الدروس المستفادة من هذه السورة الكريمة، بالإضافة إلى بيان الأسماء الأخرى التي تُطلق عليها.
المراجع
- ^ سورة التحريم، آية 1
- ^ shamela.ws، كتاب التحرير والتنوير، ابن عاشور، (343/28)، بتصرف، 08/01/2023
- ^ صحيح البخاري، البخاري، عائشة أم المؤمنين، 6691، حديث صحيح
- ^ shamela.ws، كتاب التحرير والتنوير، ابن عاشور، (344/28)، بتصرف، 31/12/2022
- ^ صحيح النسائي، الألباني، أنس بن مالك، 3969، إسناده صحيح
- ^ alukah.net، التفسير الموضوعي لسورة التحريم، 31/12/2022
- ^ shamela.ws، كتاب الأساس في التفسير، سعيد حوى، (5995/10)، بتصرف
التعليقات