حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج عند المذاهب الأربعة

حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج عند المذاهب الأربعة
حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج

حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج، الحجُّ هو الفريضةُ الَّتي فَرَضَها اللهُ -سبحانَهُ وتعالى- على مَنْ استطاعَ إليها سبيلاً مِنْ عبادهِ المؤمنينَ؛ لغايات دُنيويَّةٍ وأُخرويَّةٍ فضيلةٍ وساميةٍ تُنقِّي الإنسانَ وتُساعدُهُ على الفوزِ بالأجرِ الكبيرِ والثَّوابِ العظيمِ، ومع اقترابِ موسمِ الحجِّ في كلِّ عامٍ تكثُرُ الأسئلةُ عَنْ بعضِ أحكامِ هذهِ الفريضةِ الشَّريفةِ وتفاصيلِها، وفي هذا المقالِ سنتطرَّقُ -وإيَّاكم- إلى تعريفِ الحجِّ في الإسلامِ ومن ثمَّ سنُسلِّطُ الضَّوءَ على حكم قصرِ الصَّلاةِ للجنودِ وللحجَّاج مِنْ أهلِ مكَّة المُكرَّمة.

تعريف الحج في الإسلام

الحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الدِّينِ الإسلاميِّ الحنيفِ الَّذي حدَّثنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عنها بقولِهِ: “بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ” [1] وهو الفريضةُ الَّتي فَرَضَها اللهُ -سبحانَهُ وتعالى – مرَّةً واحدةً في العُمرِ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ راشدٍ قادرٍ على قضائها مِنَ النَّواحي كلِّها، وعندَ جُمهورِ العلماءِ:

  • الحجُّ لغةً: كثرةُ الزِّيارةِ والذَّهابِ إلى مَنْ تجلُّ لَهُ المحبَّةَ والتَّعظيمَ.
  • الحجُّ شرعاً: زيارةُ المُسلمِ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ والكعبة المُشرَّفةِ في أوقاتٍ محدَّدةٍ مِنَ السَّنةِ؛ لأداءِ المناسك والعبادات الَّتي فَرَضَها اللهُ على عبادهِ أجمعين

والجديرُ بالذِّكرِ أنَّ الحجَّ أوَّلَ ما فُرِضَ على المُسلمينَ كانَ في السَّنةِ التَّاسعةِ للهجرةِ النَّبويَّةِ مع نزولِ قولهِ تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [2] وقد أرجأ النَّبيُّ -عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ- تأديةَ الحجِّ إلى السَّنةِ العاشرةِ؛ بسببِ نزولِ الآيةِ الكريمةِ السَّابقةِ بُعيدَ فواتِ الوقتِ المُخصَّصِ للحجِّ، ولا بدَّ مِنَ الإشارةِ إلى أنَّ كثيراً مِنَ السُّورِ والآيات الكريمةِ قد جاءَتْ على ذكرِ هذهِ الفريضةِ، ومنها: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [3] وكذلك: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [4]وغيرها كثيرٌ. [5]

حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج

اختلفَ العلماءُ في إطلاقِ هذا الحُكمِ، ولكنَّ الرَّأيَ الَّذي أطلَقَهُ أكثرُ أهلِ العلمِ هو أنَّهُ مِنَ الأرجحِ أَنْ يُصلِّيَ الجنودُ أربعاً ولا يقصرون إذا ما كانوا عازمينَ على الإقامة أكثر مِنْ أربعةِ أيَّامٍ -سواءٌ أكانتِ الإقامةُ في مكَّةَ أم في غيرِها- وفقَ الأوامرِ الَّتي جاءتهُم، أمَّا الَّذي قصر بناءً على فتوى أفتاها لَهُ أحدُ المشايخِ فإنَّ صلاتَهُ صحيحةٌ ومقبولةٌ -إن شاءَ اللهُ- ولا تجبُ عليهِ الإعادةُ، لكن ينبغي لَهُ ألَّا يقصر في المستقبلِ، وهذا الرَّأي الَّذي تبنَّاهُ أكثرُ العلماءِ، وفيهِ الأمانُ والاحتياطُ للمؤمنِ. [6]

حكم قصر الصلاة للحجاج من أهل مكة

اتفقَ أهلُ الشَّرعِ على أنَّ الحاجَّ يقصر صلاتهُ في عرفة وفي مُزدلفة وفي منى؛ وذلكَ بناءً على ما فعلهُ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إذ قصر ولم يقل يا أهلَ مكَّةَ أتِمُّوا، فقصر النَّاسُ معهُ في عرفة وصلُّوا صلاةَ الظُّهرِ ثنتين وصلاةَ العصرِ ثنتين، وفي مُزدلفة صلُّوا معهُ صلاةَ المغربِ ثلاثاً وصلاةَ العشاءِ ثنتين، وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنَّهُ يدلُّ على أنَّهم فعلوا كما فعلَ رسولُ اللهِ، وأنَّ الحجَّاج يفعلونَ مثلما يفعلُ غيرُهم. [7]

قصر الصلاة الرباعية عند المذاهب

اختلفتِ المذاهبُ في موضوعِ قصر الصَّلاةِ، وكانَ لكلِّ مذهبٍ منها رأيُهُ الَّذي تبنَّاهُ، وفيما يأتي نضعُ بينَ أيديكم تلخيصَ هذهِ الآراء:

  • المذهبُ الشَّافعيُّ: رأى أنَّهُ يجوزُ للمُسافرِ -الَّذي تتحقَّقُ فيهِ شروطُ القصر- أنْ يقصرَ الصَّلاةَ الرُّباعيَّة (الظُّهر، والعصر، والعشاء) فيُصلِّيها ركعتين فقط، ويجوزُ لَهُ أنْ يتمَّها فيُصلِّيها أربعاً.
  • المذهبُ الحنبليُّ: رأيُهُ يوافقُ رأيَ المذهبِ الشَّافعيِّ تماماً.
  • المذهبُ الحنفيُّ: رأى أنَّ قصر الصَّلاةِ واجبٌ على المسافرِ وليسَ جائزاً، والواجبُ عندَهم أقلُّ مِنَ الفرضِ ومساوٍ للسُّنَّةِ النَّبويَّةِ المؤكَّدةِ، وعليهِ فإنَّهُ مِنَ المكروهِ للمُسافرِ أنْ يتمَّ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ، وفي حالِ أتمَّها فإنَّ صلاتَهُ صحيحةٌ إذا لم يترك الجُلوسَ الأوَّلَ؛ لأنَّهُ فرضٌ في هذهِ الحالةِ، ولكنَّهُ يكونُ مسيئاً بتركِ الواجبِ فيُحرمُ مِنْ شفاعةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يومَ لا شفيع إلَّا هو.
  • المذهبُ المالكيُّ: رأى أنَّ قصر الصَّلاةِ واجبٌ على المسافرِ وليسَ جائزاً (اتَّفقوا مع المذهبِ الحنفيِّ) وقالوا إنَّ قصر الصَّلاةِ سنَّةٌ مؤكَّدةٌ آكد من صلاةِ الجماعةِ، لكنَّ المسافرَ في حالِ تركهِ لها فإنَّهُ لا يؤاخذُ ولا يُحرمُ مِنْ شفاعةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وإنَّما يُحرمُ مِنْ ثوابِ السُّنَّةِ المؤكَّدةِ وحسب (اختلفوا مع المذهبِ الحنفيِّ في الحُكمِ). [8]

مقالات قد تهمك

حكم من مات ولم يحج وله مال وعليه دين أحكام الهدي والفدية في الحج وما الفرق بين الهدي والفدية
حكم من بدأ حجه بالوقوف بعرفة وشروط الوقوف بعرفة حكم من حج وهو تارك للصلاة وحكم الحج عن تارك الصلاة

إلى هُنا نكونُ قد وصلنا مع حضراتكم -زوَّار موقع تصفّح الكرام- إلى نهايةِ مقالِنا حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج، وقد سلَّطنا الضَّوءَ مِنْ خلالِ فِقْراتهِ وسطورهِ على تعريفِ الحجِّ في الإسلامِ ومن ثمَّ عرضنا أمامَكم بعضَ الأحكامِ والآراءِ المُرتبطةِ بقصرِ الصَّلاةِ في الحجِّ.

المراجع

  1. ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 8، صحيح.
  2. ^ سورة آل عمران، الآية: 97.
  3. ^ سورة الحج، الآية: 27.
  4. ^ سورة البقرة، الآية: 125.
  5. ^ wikiwand.com، الحج في الإسلام، 23/05/2023
  6. ^ binbaz.org، حكم قصر الصلاة للجنود في موسم الحج، 23/05/2023
  7. ^ binbaz.org، حكم قصر الصلاة للحجاج من أهل مكة، 23/05/2023
  8. ^ ketabonline.com، مباحث قصر الصلاة الرباعية، 23/05/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *