هل يجوز التراجع عن الحلف وما هي كفارة التراجع عن الحلف 

هل يجوز التراجع عن الحلف وما هي كفارة التراجع عن الحلف 
هل يجوز التراجع عن الحلف

هل يجوز التراجع عن الحلف وما هي كفارة التراجع عن الحلف لا بدَّ من التعرف على هذه الأحكام الشرعية بالنسبة للمسلم حتى لا يقع فيما لا يرضي الله تعالى، وحتى لا يستخدم الحلف إلا في الأماكن الضرورية، وأن يكون حريصًا على اليمين والحلف وألا يحنث باليمين بسهولة، وسوف نتعرف في هذا المقال على معلومات عن الحلف ومشروعيته في الإسلام، ونتعرف على حكم التراجع عن الحلف، ونتعرف على كفارة الحنث باليمين في الإسلام، ونتعرف على الحلف الذي ليس عليه كفارة وما إلى هنالك من معلومات وأحكام متعلقة بالموضوع.

الحلف في الإسلام

يشير مفهوم الحلف أو القسَم إلى لفظ يستخدم من أجل إثبات حقيقة معينة، أو يؤديه الشخص من أجل تحقيق وعد معين في وقت لاحق وغالبًا ما يتم الحلف بالله تعالى على اعتباره شاهدًا على ذلك الحلف أو القسَم، ويستخدم أسلوب القسم في المحاكم بشكل رسمي عند استجواب الأشخاص لإثبات أقوالهم، ويشار إلى الحلف باسم الله تعالى باليمين، كما يمكن الحلف بإحدى صفات الله تعالى أيضًا، وقد ورد في كتاب الله تعالى ما يشير إلى مشروعية اليمين والحلف في الإسلام، إذ يقول تعالى في كتابه العزيز جلَّ من قائل: “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ”،[1] وقد حضَّ الله تعالى على الوفاء باليمين والحلف وعدم نقض اليمين، كما دلَّت بعض الأحاديث على مشروعية الحلف، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ”،[2] فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسِم بالله تعالى[3]

شاهد أيضًا: حكم قول والنبي وما هي كفارة الحلف بالنبي

هل يجوز التراجع عن الحلف

إنَّ الرجوع عن الحلف أو اليمين جائز في الإسلام، إذ يعتقد بعض الناس من المسلمين أنَّ التراجع عن الحلف من المحرمات التي لا تجوز في الشريعة الإسلامية، ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، فقد وردت في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تشير إلى جواز التراجع عن الحلف واليمين إذا لم يكن الرجوع عن الحلف متضمنًا فعلًا محرمًا، فقد ثبت في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِنِّي وَاللَّهِ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ – لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ”،[4] والمقصود أنَّ المسلم أذا أقسم على شيء ثمَّ وجد شيئًا خيرًا من الذي حلف عليه، يجوز له التراجع عن اليمين ولكن يجب أن يكفر عن ذلك اليمين، وفي بعض الأحاديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم إذا حلف على شيء ووجد خيرًا منه أن يحنث بيمينه ويكفر عنها ويأتي الذي هو خير، فقد ورد في الحديث عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ”،[5] ولذلك يجوز التراجع عن الحلف مع الإتيان بالكفارة والله تعالى أعلم.[6]

شاهد أيضًاكفارة الحلف بالله ثم التراجع

ما هي كفارة التراجع عن الحلف

فرض الله تعالى على عباده المسلمين الكفارة إذا ما حنث أحدهم باليمين، وقد ذكر الله تعالى كفارة الحنث باليمين في كتابه العزيز، فقال جل من قائل: “لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”،[7] وبالتالي فإنَّ كفارة التراجع عن اليمين هي إطعام عشرة مساكين وجبة غداء أو عشاء مما يطعم أهله، أو إكساء عشرة مساكين، ومن لم يستطع يمكن أن يكفر عن اليمين بتحرير رقبة، ومن لم يجد يمكن أن يصوم ثلاثة أيام، ولكن الله تعالى حثَّ على المحافظة على اليمين، ولكن إذا وجد المسلم خيرًا من اليمين يجوز أن يتراجع ويؤدي الكفارة التي فرضها الله تعالى عليه ولا حرج في ذلك.[8]

حكم حنث اليمين على المصحف

إنَّ الحلف على المصحف على عدم فعل شيء معين ثم تراجع المسلم عنه وفعله له نفس حكم الحلف العادي ونفس الكفارة التي تحدثنا عنها، والحلف على كلام الله تعالى مثل الحلف بالله تعالى، ولكن إذا أقسم المسلم على أمر معين وهو يعلم أنه كذب فإنَّ هذه تسمى اليمين الغموس وهي التي تغمس صاحبها في النار، مثل أن يقسم المسلم أنه فعل كذا وهو لم يفعله، أو أنه أعطى فلانًا حقه وهو لم يعطه، فإنَّ هذا الحلف هو اليمين الغموس التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غير جائزة على الإطلاق، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: “جاءَ أعْرابِيٌّ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما الكَبائِرُ؟ قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ. قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الوالِدَيْنِ. قالَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ. قُلتُ: وما اليَمِينُ الغَمُوسُ؟ قالَ: الذي يَقْتَطِعُ مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هو فيها كاذِبٌ”،[9] وهذه اليمين لا تجوز وليس عليها كفارة إلا التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم.[10]

شاهد أيضًا: كفارة حلف الطلاق عند الغضب ، ما هو حكم يمين الطلاق بالثلاثة

حكم الحلف بغير الله تعالى

لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله تعالى، ولذلك لا يجوز الحلف بغير الله، فمن أراد أن يحلف ولا بدَّ من ذلك فليحلف بالله تعالى فقط، فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: “أنَّهُ أدْرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ في رَكْبٍ وهو يَحْلِفُ بأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، فمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ، وإلَّا فَلْيَصْمُتْ”،[11] وفي حديث آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن حلَف بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ”،[14] وقد أخذ كثير من الفقهاء هذا الحديث على ظاهره، وذهبوا إلى أنَّ الحلف بغير الله تعالى شرك وكفر، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنَّه من حلف بغير الله تعالى يريد تعظيمه فقد أشرك، وأما من حلف من باب التأكيد كما درجت عادة العرب فذلك ليس بشرك، والله تعالى أعلم.[12]

هل يجوز التراجع عن الحلف ابن باز

ذهب الإمام ابن باز رحمه الله تعالى إلى أنَّ اليمين والحلف بالله سبحانه وتعالى حق، ويجب على المسلم أن يحفظ هذا الحلف واليمين وأن يبرَّه ولا يحنث به وهذا هو الفعل الأصلح والأقرب للصواب، ولكن إذا حنث المسلم وتراجع عن الحلف تجب عليه الكفارة وهي أيضًا بناء على ما ورد في قوله تعالى سابقًا، إطعام عشرة مساكين من طعام الأهل سواء وجبة غداء أو عشاء، أو شراء كسوة لعشرة أشخاص، أو تحرير رقبة، ومن لم يستطع يمكن أن يصوم ثلاثة أيام كفارة للتراجع عن اليمين كما سبق.[13]

شاهد أيضًاحكم قول اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين

ما هو الحلف الذي ليس عليه كفارة

إنَّ الحلف الذي ليس عليه كفارة هو ما يسمى باسم يمين اللغو، ويمين اللغو هو اليمين الذي يحلفه المسلم على أمر ويظنه كما يعتقد ثم يجده خلاف ذلك، مثل أن يرى رجلًا قادمًا من بعيد فيقسم أنه فلان، وبعد أن يقترب منه يتبين منه أنه ليس هو، أو أن يقول والله سوف تأكل والله سوف تشرب، أو قول القائل: لا والله وبلى والله وغير ذلك، وفي الحديث عن عروة بن الزبير رضي الله عنها قال: “عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] في قَوْلِ الرَّجُلِ: لا واللَّهِ، وبَلَى واللَّهِ”، وهذه ما يسمى بيمين اللغو التي لا يؤاخذ بها الله تعالى عباده المسلمين، فقد قال في كتابه العزيز: “لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ”،[7] وهذا دليل على أنَّ هذه الأيمان ليس عليها كفارة والله تعالى أعلم.[15]

في نهاية مقال هل يجوز التراجع عن الحلف وما هي كفارة التراجع عن الحلف تعرفنا على معنى الحلف أو القسم وعلى مشروعية اليمين في الإسلام، وتعرفنا على حكم التراجع عن الحلف واليمين في الإسلام، وعرفنا كفارة التراجع عن القسَم، وعلى حكم اليمين على أمر يعلم الشخص أنه كذب، وعلى حكم الحلف بغير الله تعالى وغير ذلك من التفاصيل.

المراجع

  1. ^ سورة النحل، الآية 91
  2. ^ صحيح مسلم، أبو هريرة، مسلم، 153، صحيح
  3. ^ wikiwand.com، قسم (لغة)، 05/04/2023
  4. ^ صحيح البخاري، أبو موسى الأشعري، البخاري، 6718، صحيح
  5. ^ صحيح البخاري، عبد الرحمن بن سمرة، البخاري، 6622، صحيح
  6. ^ islamqa.info، هل يجوز الرجوع عن الحلف أو اليمين، 05/04/2023
  7. ^ سورة المائدة ، الآية 89
  8. ^ binbaz.org.sa، توضيح كيفية كفارة اليمين، 05/04/2023
  9. ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمرو، البخاري، 6920 ، صحيح
  10. ^ binbaz.org.sa، ما هي اليمين الغموس وهل لها كفارة، 05/04/2023
  11. ^ صحيح البخاري، عبد الله بن عمر، البخاري، 6108، صحيح
  12. ^ aliftaa.jo، حكم الحلف بغير الله تعالى، 05/04/2023
  13. ^ binbaz.org.sa، حكم من حلف بالله ثم نكث في يمينه، 05/04/2023
  14. ^ مجموع فتاوى ابن باز، عبد الله بن عمر، ابن باز، 144، صحيح
  15. ^ islamweb.net، اللغو في اليمين، 05/04/2023

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *